بالرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها ولاة الأمر - يحفظهم الله - ورؤيتهم وتوجيهاتهم لمعالجة السلبيات التي يعاني منها مجتمعنا خصوصا شريحة الشباب، وما تضمنته الخطط الخمسية من أهداف موجهة للتنمية البشرية وتوفير فرص العمل لهم، إلا أن الأمر لا يزال بحاجة لمزيد .....
..... من البحث والنقاش لتتحمل كل جهة مسؤولياتها، وهو ما دفعني لطرح هذا الموضوع، فأقول: هل سيغفر لنا الجيل القادم كمجتمع ومؤسسات أخطاءنا وقصرنا تجاههم؟ أم هل سيرفعون أكفهم بالدعاء لنا على الجهود والرعاية الكبيرة التي أحطناهم بها وعلى ما تبذله الجهات ذات العلاقة بدءا من المنزل والمدرسة والجامعة ومؤسسات العمل والأعمال مرورا بتقديمهم لسوق العمل وتدريبهم للمشاركة في البناء والتطوير؟ وهل سيسامحوننا على تفريطنا في تربيتهم وتنشئتهم التنشئة الصالحة لتأصيل القيم والعادات والمبادئ الطيبة وحب العمل المهني والفني والتجاري في نفوسهم وفتح مجالات العمل الرحبة من أمامهم؟ وهل سيثمنون حرصنا على تهيئتهم وتأهيلهم أسرا وأفرادا للاعتماد على أنفسهم في زيادة مصادر دخلهم كل حسب إمكاناته، وهل سيكبرون ما قدم لهم رجال الأعمال والقطاع الخاص من دعم في تحقيق تطلعاتهم؟ وهل سيجدون ما يبرر غضنا الطرف عن ما نراه من عبث وعفن العمالة الوافدة لتعظيم مكاسبهم المادية على حساب سلوكيات وأخلاق أبنائنا وبناتنا؟ هل سيجدون ما يبرر للجهات ذات العلاقة الابتعاد عنهم وعدم التفاعل مع تطلعاتهم وهمومهم واحتياجاتهم مما أتاح الفرصة للغير لمسخ هويتهم وفكرهم وقيم دينهم وإحلال الثقافات والمبادئ المستوردة مكانها وتركهم فريسة للانزلاق في المسالك الموحلة المعتمة؟ هل سيدركون ما ينفق من أموال طائلة لمواجهة البطالة من خلال برامج المعالجة الآنية والمستقبلية من توظيف وتدريب ومكافأة عاطل وإعادة تأهيل وتهيئة أسر منتجة وغير ذلك؟ وهل وهل؟... إلخ.
دعونا نتحدث بشفافية ووضوح مع أنفسنا دون تضخيم أو تحجيم للواقع الذي يعيشه سواعد ومستقبل هذا الوطن والذين جعلهم الله أمانة في أعناقنا وجميعنا سنسأل عنهم يوم نلقاه، والذين هم كذلك رصيد وثروة حقيقية للوطن ورصيدك أيها الأب وأيتها الأم في هذه الحياة وبعد الممات. إن كثير من الأمور تغيرت في مجتمعنا بسبب ضعف دور الأسرة والمدرسة والمؤسسات ذات العلاقة وعدم قدرتها على مواجهة التدفق الهائل للإعلام المرئي من مختلف المشارب والثقافات والحريات فضلا عن التأثير الكبير للعمالة المنزلية التي أوكل لها مهام القيام بشؤون الأسرة ومتابعة احتياجاتهم بالإضافة إلى تواجد العمالة الوافدة أينما ذهبت وفي أي متجر وسوق ومصنع وورشة ومزرعة وشارع وحارة ومدينة وقرية والتي ليس لها هم سوى زيادة مكاسبهم المادية بأي وسيلة ومصدر بالإضافة إلى أنها عمالة غير مؤهلة تكتسب مهاراتها وقدراتها على حساب مجتمعنا، وفي واقع الأمر نحن من أتاح لهم عمل كل شيء وكل ما هو مخالف للأنظمة ابتداء من تسهيل استقدامهم وتوفير تنقلاتهم وعملهم وتركهم يعملون دون حسيب أو رقيب والنتيجة أن شريحة كبيرة من أبنائنا أصبحوا بلا عمل وهدف مما دفع الكثير منهم إلى الضياع تحت وطأة الحاجة والانخراط في سلوكيات وسلبيات تنافي الدين والخلق وأصبحوا هدفا للمروجين والمفسدين والساعين في الأرض فسادا من عمالة وافدة ولمن فقد المواطنة الحقيقية ولمن في قلبه مرض وحقد على بلادنا ومجتمعنا.
مشاهد غريبة ترصدها بأم عينك بين الحين والآخر أينما يممت وجهك تجعلك في حيرة من أمرك وتتساءل عن مكمن الخلل، هل هو ما ابتلينا به من غزو فكري وثقافي تبثه الأقمار الطائرة بكل ما تطير منه العقول السوية ومعه ازدحمت غرف منازلنا بكل غث وساقط ومنافي للقيم والأخلاق وهذا - وبكل أسف - صنيع أيدينا وتحت ذرائع وتبريرات غير موضوعية نقنع بها أنفسنا، أو يا ترى أن ضعف دور المؤسسات الدينية والإعلامية والمتابعة الأسرية والإغراق في الاتكالية واللامبالاة سبب لاستفحال المشكلة، وربما نعلق الخطأ على المدرسة وقصور دورها في التنشئة التربوية السليمة على ما يجب أن يكون عليه الطالب والطالبة، وربما لعدم قيام المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والعمالية بالدور المطلوب، وقد يعزي آخر ذلك لقلة توفر فرص العمل، بينما قد يرى البعض أنه ذلك أصبح أمرا واقعا ولابد أن نتعايش معه تحت مفاهيم درجنا على سماعها من العولمة والتي جعلت من العالم قرية صغيرة إلى المعادلة المفقودة في حقوق الإنسان والمرأة وفق المعايير الغربية.
الواقع أن المشكلة لا تكمن فقط في وجود ممارسات وتصرفات غريبة ودخيلة على مجتمعنا ولكن الغريب هو تقبل أفراد المجتمع لذلك دون تحرك جاد من المؤسسات ذات العلاقة للعمل على احتضان شريحة الشباب وتهيئتهم للعمل والمشاركة المجتمعية وصرفهم عن مسالك الانحراف وشغل وقتهم بما يعود عليهم بالنفع من خلال حلول فورية.
سنوات قليلة مضت فصلتنا عن مجتمع أقرب ما يكون برجاله ونسائه شيبا وشبانا للمثالية قولا وعملا والتزاما بالأخلاق والقيم الأصيلة التي توارثناها أبا عن جد والتي أكبرها فينا كل من حل ديارنا زائرا أو عاملا، بل ودفعت حتى بعض من لا يدينون بديننا إلى المسارعة في اعتناقه، ذلك المجتمع البسيط في إمكاناته الكبير في قيمه ومبادئه والذي كان يتصف بالفقر المدقع وشظف العيش إلا أنه استشعر مسؤوليته وقام بها خير قيام، ولعلك تجد أن عظماء من أبناء الوطن خرجوا من بيوت فقيرة مالا ولكنها غنية إيمانا وعملا وملء صدورها حبا للوطن، أين نحن من هؤلاء الذين أسسوا إنسان اليوم الذي نراه أستاذا جامعيا وطبيبا وإداريا وضابطا ومهندسا ومعلما وغير ذلك من السواعد الفتية والتي ساهمت في بناء هذا الوطن عاليا بين الأمم، فماذا قدمنا نحن للجيل القادم بل ماذا قدمنا لشريحة لا يستهان بها من أبنائنا وبناتنا الماثلين أمامنا والذين بدأ وهج شبابهم وفتوتهم يخبو وطاقاتهم تهدر بينما لم يحصل البعض منهم على فرصة عمل تؤمن له الحياة الكريمة في حين أن طلبات استقدام العمالة الوافدة تجاوزت المليون والنصف خلال العام الماضي فقط وتخرج معها آلاف الملايين من الريالات خارج الوطن وفي نفس الوقت خسرنا قوة الشباب والاقتصاد وزيادة في معدلات البطالة وما صاحب ذلك من زيادة حالات ترويج وتعاطي المخدرات وكثرة السرقات وتدهور القيم الأخلاقية وارتفاع تكاليف المعالجة جراء هذه السلبيات التي عقدت من أجلها الكثير من المؤتمرات والندوات وتمخض عنها العديد من التوصيات ولكن بدون تفعيل، مما يعني أن الجهود المبذولة لإقامة هذه اللقاءات هي في الواقع هدر مالي ووقتي وذهني واستهلاك إعلامي غير مؤثر بسبب ضعف النتائج وعدم متابعة تنفيذ التوصيات.
الجميع يدرك أن للبطالة والفقر آثارا سلبية مدمرة على مسيرة التنمية والمجتمع أمنيا واقتصاديا وسلوكيا، ومعدلات البطالة في بلادنا غير دقيقة ولا يمكن القول إن لدينا بطالة بالمعنى الحقيقي وفي نفس الوقت يوجد في بلادنا أكثر من سبعة ملايين وافد معظمهم يسيطرون على أسواق الأسماك والخضراوات ومحلات بيع الخردة وكافة الأسواق التجارية من البقالة الصغيرة إلى المول الكبير؟! ولماذا الاستمرار في استقدام العمالة إذا كان لدينا رغبة حقيقية في توظيف أبنائنا وزيادة مصادر دخل الأسر وقوة اقتصادنا خصوصا أن مؤشرات النمو السكاني في تزايد كبير، مما يشكل مشكلة كبيرة ما لم يصاحب هذه الزيادة خطط وبرامج عملية لمواجهة هذه الزيادة على المستوى المعيشي والتعليمي والصحي والاقتصادي، ومن أدوات هذه المعالجة إعادة النظر وبشكل جاد في الاستقدام وتضييقه في مجالات محدودة جدا مع وضع رواتب تكفل على الأقل الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة لهذا الوافد في حال دعت الحاجة لاستقدامه، فماذا ننتظر من عامل وافد يتقاضى (300) ريال شهريا سوى البحث عن مصادر دخل أخرى من ترويج وسرقات وإجرام.. إلخ؟! يتطلب الأمر كذلك منع الاستقدام لشريحة كبيرة من المهن وإلزام الشركات والمؤسسات بسعودة حقيقية وتخصيص برامج تدريبية وإعادة تأهيل الشباب وفتح مراكز للتدريب المنتهي بالتوظيف في كافة المجالات الوظيفية وعلى أن يلازم ذلك حملات إعلامية مركزة وشاملة لتهيئة الشباب ومؤسسات الأعمال للمرحلة القادمة لاستيعاب كافة الخريجين وتأهيلهم وتقييمهم لمعالجة الاعوجاج والقصور في الأداء ومعالجة كل حالة على حدة وبيان الآثار السلبية لهذه المشكلة بكافة أبعادها الاجتماعية والتنموية والأمنية والاقتصادية، والعمل بشكل تكاملي تنسيقي بين مؤسسات التعليم الجامعي والمهني والفني والقطاع الخاص لأنه لا يزال هناك فجوة كبيرة بين هذه المؤسسات، مما جعل كل منها يعمل بمنأى عن الآخر دون وجود تخطيط وتنسيق وتقييم مشترك، ولا شك أن الحاجة ماسة لإعادة النظر في مكونات التعليم الفني والمهني وهل تحقق الهدف من مخرجات هذا القطاع وما هو مصير خريجيه الذين يراوحون بين ضعف المردود المعرفي العملي التطبيقي من دراساتهم وضعف الإقبال عليهم من قبل القطاع الخاص وما هي أسباب ذلك؟ ولابد من ردم هذه الفجوة التنسيقية بين مؤسسات التعليم المهني والقطاع الخاص وسوق العمل، كما تبرز الحاجة لرفع درجة التنسيق وتبادل المعلومات بين مؤسسات التعليم الجامعي والمهني ورفع درجة الشفافية وتكثيف ورش العمل الجادة لمعالجة أوجه القصور والعقبات سعيا لتحقيق تطلعات وآمال أبنائنا وبناتنا وأسرنا في العيش الآمن المستقر وتوفير فرص العمل لهم وإزالة أسباب ومسببات التهم التي يروج لها بعض أرباب العمل بالقطاع الخاص ضد أبنائنا لحرصهم على مضاعفة مكاسبهم دون أن يكون للوطن والمواطن أي وقفة تقدير وتفضل على ازدهار واستقرار تجارتهم واستثماراتهم ورد ولو جزء من حق الوطن والمواطن عليهم.
Riyadms2@yahoo.com