Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/05/2008 G Issue 13002
الأحد 28 ربيع الثاني 1429   العدد  13002
أول وثيقة في الحضارة العربية الإسلامية لاستثمار المناجم
د. محمد العيسى الذكير

جاء الإسلام لهداية البشر وعمارة الأرض ليعيش الناس حياتهم الدنيا بسلام وطيب عيش، فخيرات كوكب الأرض متنوعة ومسخرة لعمارة الكوكب، وبالتالي فهي وسائل عيش للبنائين والنجارين والصيادين والغواصين والصانعين والرعاة والمزارعين والساقين والباحثين والمخترعين والمستكشفين والمنقبين عنها في الصخور والطبقات الأرضية مثل الجواهر والنفط واليورانيوم والذهب والفضة والنحاس.

يمكن النظر إلى الكتاب الذي حدد بموجبه المصطفى صلى الله عليه وسلم للصحابي بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه المنطقة التي له الحق في استخراج مما في أرضها كإرشاد نبوي للاستفادة مما في جبالها من خيرات معدنية. وكان الصحابي قد طلب من رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أن يوثق ذلك كتابة عن المنطقة التي كانت تحتوي على مناجم.

ورصد الكتاب بعض كتب المؤرخين ذات العلاقة بالمواقع الجغرافية والمناجم، مثل معجم ما استعجم للبكري، والجبال والأمكنة والمياه للزمخشري، ووفاء الوفا بأخبار دار المصطفى للسمهودي. وأورد نص الكتاب الباحث رشدي الصالح ملحس (1317-1378هـ) نقلاً عن الطبراني في بحث له نشر في عام 1349هـ. وضم بحثه هذا مناجم الأسلاف في أراضي بلاد الحرمين الشريفين، وأسماه (بحث المعادن). وهو أول بحث علمي وتاريخي حديث عن المناجم في البلاد السعودية. وكان الملك عبدالعزيز قد عيّن الباحث رشدي ملحس محرراً لجريدة أم القرى خلفاً للأستاذ يوسف ياسين.

وأورد الكتاب النبوي العلامة حمد الجاسر (1328- 1421هـ) نقلاً عن الطبراني في بحث له عن التعدين والمعادن في جزيرة العرب، ونشره في سنة 1408هـ.

وروى الطبراني في المعجم الكبير: أنبأنا الحسن بن إسحاق أنبأنا هارون بن عبدالله أنبأنا محمد بن الحسن حدثني حميد بن صالح عن عمار وبلال ابني يحيى بن بلال بن الحارث عن جدهما بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه هذه القطيعة وكتب له فيه:

(بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله بلال بن الحارث أعطاه معادن القَبَليّة غوريَّها وجليَّها غَشْيَةَ وذَاتَ النُّصُب وحيث صلح الزرع من قُدْس إن كان صادقاً وكتب معاوية).وكلمة (معادن) الوارد ذكرها في الكتاب النبوي تعني (مناجم)، فقد جاء في المعجم الوسيط: المعدن موقع استخراج الجوهر من ذهب ونحوه، والجمع معادن. وتردد في بعض كتب التراث اسم معدن بني سُليم، ويُقصد به منجم بني سُليم، وهو المعروف حالياً بمنجم مهد الذهب.وذكر العلامة حمد الجاسر في مقال (عكاظ 18 شوال 1409هـ) أن أبا حصين السُلمي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة المنورة وأهداه ذهباً من معدن بني سليم، اي من منجم مهد الذهب الذي أصبح ينتج سنوياً في وقتنا الحاضر حوالي سبعين ألف أوقية ذهب، وربع مليون أوقية فضة، وأربعة آلاف ومائتين وخمسين طناً من الخارصين (الزنك)، وسبعمائة طن من النحاس (الجزيرة 7 شوال 1426هـ).

بالنسبة لمواقع مناجم القَبَلية الوارد ذكرها في الكتاب النبوي فقد حددها العلامة حمد الجاسر في بحثه المشار إليه إعلاه فقال: هي السلسلة الجبلية الممتدة من منتصف الطريق بين المسيجيد - المسمى المنْصَرَف في العهد النبوي - والمدينة المنورة من الجنوب إلى طرف جبل بواط من الشمال. كما حدد منطقتها بالنسبة للإحداثات الجغرافية على النحو التالي:

24-25 درجة شمال

38.50 - 29.33 درجة شرق

وأشار العلامة الجاسر بأن تلك الجهات الواسعة المساحة فيها آثار كثيرة للتعدين لا تزال بارزة للعيان. كما أوضح بالنسبة لمنجم النُّصب الوارد ذكره في الكتاب النبوي أنه من مناجم القبلية، والمسافة بينه وبين مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم حوالي خمسة وسبعين كيلاً (كيلومتراً).وبعد، فعلى الإعلام الغربي أن يعرف أن البداية الأولى للترخيص بالتعدين في بلاد الحرمين الشريفين كان في العهد النبوي، وما نظام الاستثمار التعديني المعمول به حالياً في المملكة سوى جزء من التوجيهات النبوية لعمارة الأرض المؤدية للتقدم الحضاري للبشرية.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد