لا يمر أسبوع إلا ونقرأ تحقيقاً أو موضوعاً مطولاً عن المحاولات التي تبذلها إيران سواء عن طريق مؤسساتها الرسمية الثقافية أو جمعياتها الطائفية خارج إيران لنشر التشيع خارج مناطق الشيعة المعروفة.
ولاحظ المتابعون لهذه الظاهرة التي وإن كانت معروفة قبل (ثورة الخميني) إلا أنها تفاقمت بصورة ملحوظة بعد هذه الثورة، حيث تنوعت وتعددت أساليب نشر الثورة الخمينية موظفة التشيع لكسب مزيد من الأنصار والأعوان والعمل على بناء مراكز نفوذ وتمدد بالتسلل إلى الدول العربية، خصصت لها الدولة الإيرانية ميزانيات ضخمة تتجاوز مئات الملايين من الدولارات مع ملاحظة أن عمليات التشيع تستهدف الدول العربية، ولا يقتصر الاستهداف على الدول العربية المجاورة لإيران، كالعراق الذي تدفق فيه الإيرانيون منذ وقت طويل وبعضهم تخلف بعد أداء (الزيارة)، ونجحت إيران الرسمية حتى في أيام حكم الشاه في تحويل كثير من القبائل السنية العربية إلى قبائل نصفها سني والنصف الآخر شيعي، فهناك بعض من قبائل شمر وعنزة والمنتفك وحرب تشيعوا، في حين تحولت قبائل عربية إلى قبائل شيعية بالكامل كحجام وخفاجة وآل أبو عامر والبدور وآل أبو حسن، ومن هاجر إلى العراق من بني تميم وبني مالك وبني ربيعة وغيرها من القبائل العربية المعروفة.
ونشر التشيع الذي نجح في جنوب العراق فتحول إلى أغلبية شيعية من خلال دعم الحكومة الإيرانية في زمن الشاه والذي أوكل إلى الحزب الفاطمي آنذاك وتم وفق أساليب يتقنها الشيعة أكثر من غيرهم، فمن خلال اقتطاع الخمس من دخول ومكاسب أثرياء الشيعة والذي توجه مبالغه وما يتم تحصيله إلى المرجع الشيعي الأعلى، أو المرجع الذي يتبعه المقلد، والذي يجمعه وكلاء المرجع، حيث يكون الهدف من هذه المبالغ -التي تكون عادة مبالغ كبيرة- الصرف منها على فقراء المنطقة وعلى إقامة الحسينيات والمشافي في بعض المناطق وعلى طلاب الحوزات والمدارس الطائفية، وما يتبقى يرسل للمرجع حيث تصل ميزانيات بعض المراجع إلى أكبر من ميزانيات بعض الدول.
من هذه الأموال يصرف على أبناء الطائفة، ومنها أيضا يتم استقطاب المتشيعين الجدد، كما أنه يمول الجمعيات الخيرية والمراكز العلاجية التي تقدم خدماتها للمتشيعين، وهو ما نجحت في تحقيقه في العراق قبل عشرات السنوات، وهو ما يتكرر الآن وفي دول عربية أخرى، إلا أن الأموال الآن تضاعفت والأهداف تداخلت فبالإضافة إلى التبشير بالتشيع يجند الأنصار الجدد أتباعا للثورة الإيرانية ويربطون بمرجع واحد، هو مرشد الثورة. وهذا ما نراه في المناطق العربية المستهدفة من اليمن، حيث يقوم الحوثيون بالمهمة مدعومين من الجهات التي تعمل على نشر أساليب ومفاهيم نشر الثورة الإيرانية وكذلك في سورية التي أصبحت مرتعا لنشر التشيع حيث قفزت أعداد المتشيعين في سورية من ألف شخص في عام 1970م إلى قرابة ألفين شخصا سنويا منذ عام 1999م، كما تضاعفت عدد الحوزات، إذ لم يكن في سورية سوى حوزتين في دمشق هي حوزة الزينبية وحوزة الخميني، إلا أنه ومنذ 2001م إلى 2007م تم بناء أكثر من اثنتي عشرة حوزة وثلاث كليات للتعليم الديني الشيعي في منطقة السيدة زينب في دمشق، وجميعها تتبع المؤسسات الدينية في إيران.
وقد أظهرت دراسة نشرت بعضا منها (مجلة المجلة) أن معدل التشييع في الوقت الحالي في سورية 2785 شخصا في السنة، وإذا استمرت وتيرة التشيع على حالها فإن التركيبة الديموغرافية للمجتمع السوري ستتغير بعد عشرين سنة مع بلوغ نصف مليون شيعي سوري، ويتركز التبشير الشيعي حسب الدراسة الميدانية في رقعتين جغرافيتين أساسيتين هما الساحل السوري ومنطقة الجزيرة وهاتين المنطقتين تضمان الشريحتين الرئيسيتين في المجتمع السوري واللتان تمدان الجيش والمخابرات السورية بالرجال.
والتبشير الشيعي والتشيع لا يتوقف عند سورية واليمن فقد ذهب إلى أبعد من ذلك إلى أحدث دولة عربية.. جزر القمر.. وهو ما سنكتب عنه غدا.
jaser@al-jazirah.com.sa