المطر هذه الكلمة الجميلة التي نرددها دائماً وأبداً في صيفنا وفي شتائنا وليلنا ونهارنا لعلمنا أن المطر بهجة الحياة وزينتها ويجعل النفس تواقة للحياة بعد ذكر الله وطاعته لأن به السعادة الحقيقية والعيش على ظهر هذا الكوكب {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَي}، فالخير الغزير الذي ينزل من السماء يسمى مطرا ويجري في الأودية جريان الماء في الأنهار، فلا يتخيل المرء أن هذه البلاد الصحراوية تكون مروجاً وأنهاراً بقدرة العلي العظيم الذي ينزل الغيث على العباد. {نزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا}. فهذه الأمطار في هذه البلاد الصحراوية تسقي خلقاً كثيرين من الأناس والطيور والأنعام وعلى الأخص الأنعام التي جعلها المولى جل وعلا جمالاً حين نريح وحين نسرح، فالمملكة لا تحصل على الماء إلا بدفع الأموال الطائلة التي تحلى من البحار التي تزخر بها بلادنا على مسافة تزيد على الأربعة كيلومترات، وقد عانت في السابق من شح في مياه الشرب وكانت هناك آراء عديدة للحصول على المياه العذبة تكمن في جلب جبال ثلجية من القطب الشمالي أو مد مياه من نهر الفرات أو تحلية المياه المالحة فتم اختيار الرأي الثالث. وهو تحلية المياه المالحة بحكم أن المملكة بحمد الله تطل من شرقها وغربها على بحار ولكن مياه الشرب وحدها لا تكفي لتغطية المساحات الشاسعة لبلد أشبه بالقارة، وهناك من يعتمد على مياه الأمطار اعتماداً كبيراً بعد الله، ألا وهم الزراع والرعاة، فالمزارعون يعتمدون على سقيا مزارعهم على الآبار الجوفية التي لو غارت -لا سمح الله- فإن التمور والخضراوات والأعلاف ستكون شحيحة لعدم القدرة على الحصول على الماء العذب بيسر وسهولة، وقد يلجأ المزارعون إلى الحفر عميقاً، وهذا له نتائجه العكسية من الحصول على المياه الكبريتية التي تحرق الزرع ولا تكون ذات جدوى، وأصحاب المراعي لا يقلون في الأهمية عن المزارعين فحين يحتبس المطر فإن الأرض تصبح مغبرة وتكون صحراؤنا جرداء لا حياة فيها لانعدام الكلأ الذي يغذي الأنعام فتدر الضرر وتكثر الثروة الحيوانية التي تعتبر مصدر رزق للأفراد وللحكومات، فنحن في هذه البلاد كم نسعد سعادة لا توصف حين يهطل المطر بغزارته التي تكون بلاغاً للحاضر والبادي وتكون الأرض مروجاً خضراء لا يتصور أنه في بلد صحراوي بل يتصور أنه في بلد أوروبي أو آسيوي، لذلك قادة هذه البلاد -حفظهم الله- يتأسون بسيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام، فإنه عند الجدب وشدة القحط يخرج مع خلق كثير إلى المصلى يشكو حاله إلى ربه، الأواء وقلة الماء فيمتن الرب جل جلاله بالاستجابة {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} لذلك أبناء هذه البلاد لبوا نداء ولي الأمر وخرجوا إلى صلاة الاستسقاء ودعوا الله أن يغيث قلوبنا بالإيمان وبلادنا بالأمطار والخيرات. فبشائر الخير لاحت على مدن ومحافظات المملكة وجرت الأمطار في الأودية وخرج الناس كباراً وصغاراً يتنزهون ويشاهدون السيول بفرحة غامرة، لذلك نجد كثيراً من أبناء البلاد جنوبها وشمال غربها وشرقها يباركون لبعض بهذا المطر وبهذا الخير العميم الذي امتن الله به سبحانه على عباده صاحب الجود وصاحب المن والعطاء {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} سورة نوح.
فإنني وغيري ننتظر المطر بزيادة شوق وزيادة لهفة وإن تأخر المطر هذا العام فخزائنه لا تنفذ في ليل أو نهار أو صيف أو شتاء، لكن كل ذلك بتقديره وأمره سبحانه. {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} صدق الله العظيم.