مهما بذل الخطيب من وسائل جذب ليجمع الناس على نحو عدد الحاضرين للجمعة في غير يوم الجمعة ليلقي عليهم درساً أو محاضرةً كما هو الشأن في يوم الجمعة فلن يتسنى له ذلك أبداً.
فالجمعة جامعة للناس على مختلف طبقاتهم ومستوياتهم العلمية والثقافية والاجتماعية، وهم في المجتمع كغيرهم جزء منه يسمعون كما يسمع الناس، ويشاهدون كما يشاهد الناس، ولذلك فإنه لا يخفى عليهم ما يحدث هنا وهناك ونحن في وقت لم يعد فيه سريات ولكن يخفى على كثير منهم أو أكثرهم معرفة الحق من الباطل، والصدق من الكذب، كما هم يجهلون التعامل الصحيح المشروع مع المستجدات والنوازل والأحداث.
وهنا يأتي دور الخطيب، فالخطيب الموفق هو من يدرك تماماً أهمية ما هو فيه من مكانة، وأنه امتطى صهوة جواد لم تكن إلا للصفوة من الناس، وأنه قام مقام سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم في تبليغ دين الله من على المنبر.
وأن ما يقوله في خطبته حجة عليه أولاً قبل أن يكون حجة على الناس. وأنه متى لم ينصح المسلمين ولم يبين لهم الحق ويدلهم عليه ويأمرهم به، ولم يبين لهم الباطل ويحذرهم منه، متى لم يقم بذلك فهو داخل تحت الوعيد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ مات حين يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة).
من أكبر ما اُبتلي المسلمون به في هذا الزمان وخصوصاً بلاد الحرمين وجود الأفكار الدخيلة المنحرفة كالتكفير والتبديع والتحذير وما يسمى بالجهاد والإصلاح، والتبليغ... وغير ذلك.
ووسائل بيان هذه الأفكار والتحذير منها كثيرة، ومن أهم الوسائل منبر الجمعة. ولما كان الناس الذين يحضرون لصلاة الجمعة يختلفون والفروق بينهم واضحة ناب أن يتكلم الخطيب بلسان يحقق أعلى المصالح ويفيد الجميع. يأتي السؤال: كيف يحارب المنبر هذه الأفكار الدخيلة؟ في نظري يكون ذلك حسب الخطوات الآتية:
أولاً: تذكير الناس بنعمتين عظيمتين ذكَّر الله تعالى بهما كفار قريش وأمرهم بالمحافظة عليهما وذلك بدخولهم في السلم كافة. هما نعمتا الأمن ورغد العيش. قال الله تعالى: بعدما أهلك أصحاب الفيل وفيلهم وصدهم عن هدم الكعبة فما فعل الله ذلك إلا.... {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (1 - 4) سورة قريش. وأن الناس إذا فقدوا الأمن لم يتمكنوا من إقامة دينهم، وإذا فقدوا معيشتهم انشغلوا عن دينهم بالبحث عنها.
وإن هذه الأعمال من تكفير وتفجير وغيرها تفقد الجميع هاتين النعمتين لأن المسببات معلقة بفعل أسبابها. وعليه فعلى الخطيب حث الجميع ليكونوا جنوداً في وجه هذه الأفكار الدخيلة على مجتمعنا.
ثانياً: ربط الناس بولاة أمرهم من العلماء والأمراء.
ثالثاً: عرض جيد محقق للهدف لحال بعض الدول التي ذهبت مثلاً يتناقله الناس وعبرة لكل معتبر.
رابعاً: غرس التوحيد في نفوس فإنه أساس التقوى وفي التقوى فرج من كل ضيق. وبها يكون للمسلم فرقان يفرق به بين الخير والشر وبين خير الخيرين وشر الشرين.
خامساً: بتذكير الناس بفعل أسباب دفع العذاب من التضرع لله، وكثرة الصلاة، والصبر.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه،،
* حائل - hailqq@gmail.com