ذهب تقرير الأمم المتحدة إلى تصنيف أزمة الصومال الإنسانية بين أقسى الأزمات المعروفة لما يعانيه من ويلات الحرب الأهلية، ومن المجاعات والكوارث الطبيعية وعدم الاستقرار وفقدان الأمن. حيث بلغ عدد القتلى في مقديشو في عام 2007 م فقط حوالي (6500) قتيل، فيما ارتفع عدد القتلى منذ تصعيد القتال خلال الأيام الأخيرة إلى (100) قتيل تقريباً. وأجلى القتال العشوائي نحو (600) ألف من الأهالي إلى خارج البلاد، ويقيم (750) ألفاً من المشردين والمهجرين والنازحين في مخيمات بائسة وملاجئ متصدعة. وفي الوقت نفسه انقطعت شحنات الأغذية عن معظم أرجاء الصومال والتي تعد من بين الدول الأكثر فقراً في العالم، فهي رهينة الفقر والجوع والجفاف والأمراض. بل يشبه المراقبون الأحداث والأوضاع في مقديشو ببغداد في وضعية الفوضى الشاملة لأرجاء الحياة.
لقد أدرك الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية أن وحدة الصومال ليس في مصلحتهم، لأن معنى وحدة الصومال أنها دولة مركزية قوية مرشحة لتكون دولة متجانسة ليس فيها انقسامات. فدينهم جميعاً الإسلام بنسبة 99,5 %، ولديهم مجموعة أثنية واحدة، لغتهم واحدة، يمارسون نشاطاً اقتصادياً واحداً، ولديهم آمال ومطامح مشتركة لإقامة الصومال الكبير أو الصومال التاريخي.
وإلى هذا المشهد التاريخي يشير الدكتور حمدي عبد الرحمن - رئيس مركز الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة - فيقول: (إن الصومال الكبير بمعناه التاريخي كان يشمل خمس مناطق، وهذه الدلالة الرمزية للعلم الصومالي الذي كان يتألف من خمس نجوم تمثل المناطق المفقودة بالنسبة للصومال. كان هناك ما عرف بالصومال البريطاني، والصومال الإيطالي، وهما ما استقلا وشكلا ما عرف بجمهورية الصومال. أما الإقليم الثالث: هوعفر وعيسى وهو ما اتفق على تسميته باسم (جيبوتي) وهو الصومال الفرنسي. الإقليم الرابع هو إقليم (الأوجادين) الذي تم ضمه لإثيوبيا، وهذا أدى إلى مصادمات وحروب دولية بين الصومال وإثيوبيا، كما اصطلح على تسميتها بحروب القرن الأفريقي. الإقليم الخامس - وهذا إقليم منسي في الحقيقة وكثير من الناس لا يذكره - هو الإقليم الشمالي بالنسبة لكينيا والذي تم ضمه ويعرف ب: (nfd المقاطعة الشمالية الحدودية، وهذه تم الإطباق عليها من زمن).
إذن هناك ترتيب لمنطقة القرن الإفريقي، فليست مسألة عفوية بل هو تخطيط إستراتيجي له مراحل وأهداف بعيدة المدى، تتحقق على مستويات مختلفة. فأنسب حال للوضع في الصومال هو بقاؤه على ما هو عليه فليس بالإمكان أحسن مما كان. وتلك الحال بلا شك سيضعف الوجود الإسلامي وسيحد من نمو نشاطه، وفي المقابل سيتيح أكبر فرصة للتنصير.
إن على الولايات المتحدة الأمريكية اليوم أن تخرج الاحتلال العسكري الأثيوبي من الصومال فهي من جاءت به في أواخر عام 2006 م وتعتبرها حليفتها الرئيسية في منطقة القرن الأفريقي، وعولت على إقصاء المحاكم الإسلامية عن الحكم بعد أن فرضت الأمن والأمان منذ انهيار الحكومة الصومالية في مطلع التسعينيات، كل ذلك تحت ذرائع دعم الحكومة الشرعية للصومال ومحاربة الإرهاب.
فكان من آخر جرائم الجيش الأثيوبي قتلهم (21) شخصاً من بينهم إمام مسجد وعدد من الدارسين المسلمين في مسجد في مقديشو, واحتجزوا عشرات الأطفال خلال مداهمة مسجد الهداية في شمال العاصمة الصومالية في وقت سابق هذا الأسبوع خلال عمليات استهدفت مسلحين إسلاميين.
من جانب آخر: فإن على الدول العربية والإسلامية اتخاذ مبادرات جادة لمساعدة الصومال ومساندته مادياً ومعنوياً ضد الاحتلال الأثيوبي. وأن يساهم الموقف العربي الرسمي بإحياء مبادرة خادم الحرمين الشريفين من أجل المصالحة الوطنية بين جميع الفرقاء الصوماليين والتي عقدت في جدة. وعلى المجتمع الدولي المطالبة بإرسال قوة عربية لحفظ السلام للمساعدة في تحقيق الاستقرار تحت إشراف جامعة الدول العربية، هذا ما سنحتاجه في المرحلة المقبلة.
drsasq@gmail.com