Al Jazirah NewsPaper Tuesday  29/04/2008 G Issue 12997
الثلاثاء 23 ربيع الثاني 1429   العدد  12997
نجاح الحوار مرهون بحق الاختلاف
حمد عبدالرحمن المانع

يتخذ الحوار بين الأطراف أبعاداً منطقية من شأنها توضيح المسار وإزالة الترسبات الكامنة في النفوس التي تنشأ تبعاً لصيغة التعامل مع المعلومة من قبل الشخص، وكأنها من المسلمات التي يجب عدم الخوض فيها ومناقشتها وفقاً لمبدأ القبول القطعي في حين أن هيمنة هذا التأثير على الذهنية بهذا الشكل يسهم في عزل التفكير وتحجيم استقلال الإدراك، حينما يدور في فلك التقليد، بل والمصادقة على إفرازاته التي تؤدي إلى إقصاء الرأي، ومصادرته دون النظر إلى المعطيات بشكل موضوعي، وبالتالي الاكتفاء بتسويق أفكار الآخرين وقناعاتهم، ومعوقات نجاح الحوار في الغالب ترتكز على محورين رئيسين، الانفتاح وضروراته والانغلاق وضروراته كذلك، فحينما تكون في غرفة منعزلة وبها أكثر من عشرة أبواب فإنك ستضطر لفتح بعض الأبواب للهواء والشمس ومقومات الحياة، وفي نفس الوقت تخشى الرياح القوية التي تجلب الضرر من هنا فإن تفكيرك سينصب على تحقيق التوازن ومتى تفتح هذا وتغلق ذاك، ومن ثم تحقق الفائدة من الأمور الضرورية التي تحتاجها بفتح بعض الأبواب وإغلاق بعضها، وغالباً ما يعتد الإنسان برأيه وينافح عن وجهة نظره وفق قناعاته الراسخة المعززة لهذا الرأي أو ذاك، وقد يتغير الرأي بناء على ما يستجد من دلائل واضحة تشير إلى الرأي الصائب متى ما اتضح له ذلك، ولا ريب أن المراجعة وتصحيح المواقف على هذا الأساس الموضوعي يعد شجاعة أدبية وإحساسا صادقا بالمسؤولية ولاسيما وأنه تجرد من شخصنة الموقف وانتصار للمصالحة مع الذات، في حين أن التعصب للرأي سيخلف تراكمات سلبية تؤثر بشكل مباشر على الصدقية وانسحاب هذا الأمر على مستوى الثقة بالنفس واحتراماً للثقة بشكل عام قياساً على الإثبات، ويبرز بين البحث عن الأمر الصائب وتصحيح المفهوم الخاطئ الحوار كإحدى الدعائم الرئيسة التي من خلالها تتضح كثير من الأمور، وسبل البحث ا لأخرى المساندة، كذلك في تحري الدقة بهذا الخصوص لبلوغ الأمر الصائب ونيل الثقة بهذا الخصوص فإن ذلك حتماً سيعبر جسر الاختلاف، وإذا ظهر ثمة ما يعيق العبور فإن الخطأ سيكون أوفر حظاً في البقاء، وبالتالي إسقاط دعائم الجسر طبقاً للتعصب للرأي بمعزل عن الموضوعية وبعيداً عن الإنصاف وتحييد مبدأ قبول الرأي الآخر وبلورته في سياقات متزنة تفضي إلى تحري صدقية الرأي التي على ضوئها ينبثق التحديد بشكل قاطع يلفظ الإرباك والتشويش، واللذان ما برحا يستحوذان على حيز ليس باليسير جراء إتاحة الفرصة لتناميهما وامتدادهما ليشكلا حجر عثرة أمام بسط الأفكار السليمة في ظل التعنت وعدم التعاطي مع الحوار بأسلوب يرقى إلى فرض الاحترام كصيغة منطقية تجسد مبدأ القبول فيما يكون الرفض أو القبول خاضعين للاستنتاجات التي سيتمخض عنها الحوار وفي نطاق الالتزام بتحري الحق والسعي إلى بلوغه والعمل بموجبه سواء بالقول أو الفعل، وحينما يرغب الإنسان في شراء سلعة فإنه يتفاوض مع البائع لتخفيض قيمة السلعة أو بالأحرى يفاصل فيصلان إلى نقطة التقاء وهي السعر النهائي، وتتم العملية، إذا ما حدث بين البائع والمشتري اختلاف في السعر وعلى ضوء هذا الاختلاف كان الحوار الذي أدى في نهاية الأمر إلى الاتفاق بين الأطراف، كل ذلك يتم بانسيابية نظراً لأن البائع ليس مجبراً على البيع والمشتري كذلك، وهكذا في الأمور الأخرى، فالقناعات لا تفرض بل تلامس مستوى الرضا في تحقيق الحد الأعلى من التفاعل المنهجي المتسق مع الفطرة بإدراك العقل وسلامة المنطق، ومهما بلغ تسويق القناعات وفرضها مبلغاً فإنها لن تلبث أن تتبخر مقابل أي هزة تفرغها من محتواها لأن القناعة لم ترسخ في الأساس، وهو المحتوى فالإملاءات المشوبة بالمخالفات أياً كان نوعها وحجمها فإن تلك المخالفات ستطفو على السطح، وسيظهر جلياً مدى استحقاق الاعتدال والرؤية المتزنة لبسط نفوذهما وأخذ الموقع الصحيح في إطار الالتزام بقيم ديننا الحنيف، والتي تحث على العدل والقسط والبر والتسامح والمجادلة بالتي هي أحسن وتحرم الاعتداء بكل أشكاله.. من هنا كانت المعايير المنطقية مقياساً لقبول الآراء وبسطها وتشريحها وتحليلها، ومن نافل القول: إن احترام لغة الحوار عطفاً على مبدأ تقبل الرأي الآخر سيؤسس لبناء علاقات نموذجية للتعايش السلمي وفقاً للاحترام المتبادل المؤطر لتقدير قيمة الإنسان واحترام إرادته المستقلة، بغض النظر عن اختلاف الآراء وتباين وجهات ا لنظر، فالخالق تبارك وتعالى كرم الإنسان بالعقل الجدير بالاحترام طالما انتفى الاعتداء بكل صيغه وأشكاله.



hamad_vemco@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد