في ظل سعي الدول النامية لإحداث النمو, تتركز عملية التنمية الاقتصادية على العنصر البشري بشكل أساسي حيث لا يمكن أن تتم بدون وجود العنصر البشري المؤهل والقادر على التعامل مع عملية التنمية بمختلف جوانبها وهو الأمر الذي دفع دول الخليج لاستقدام ذلك العنصر البشري لمشاركة الخليجيين في تحمل أعباء التنمية.
وفي إطار ذلك اختلفت الآراء حول العمالة الوافدة عما إذا كانت تمثل فائدة للدول التي تأتي إليها أم تمثل عبئا على اقتصاديات تلك الدول فهناك من ينظر إلى العمالة الوافدة على أنها كيانات اقتصادية منتجة تعود بالنفع على الدول التي تستقبلها ولكن (هل هذا النفع يتساوى مع ما تسببه هذه العمالة من عبء وخاصة إذا كانت هذه العمالة تمثل ما يزيد عن 51% من حجم السكان ونحو 82% من إجمالي العمالة)؟
وهذا هو ما يحدث في دول الخليج حيث تعتمد دول الخليج اعتماد أساسياً على العمالة الوافدة حيث يبلغ عدد العاملين الأجانب في الدول الخليجية حوالي 12 مليون عامل معظمهم من الدول الآسيوية ويرتفع ذلك العدد بمعدل نمو سنوي يقدر بنحو 5% وبالتالي فمن المتوقع أن يصل العدد إلى 18 مليون عامل خلال عشر سنوات ويقدر عدد السكان بدول الخليج بحوالي 35 مليون نسمة أي أنهم سيمثلون ما يزيد عن 51% من حجم السكان في دول مجلس التعاون.
وعلى الرغم من أن العمالة الوطنية هي أول من تضرر من تزايد العمالة الوافدة إلا أنهم شاركوا بشكل أساسي في هذا التزايد حيث:
* تركزت العمالة الوطنية في الوظائف الحكومية التي تمثل بالنسبة لهم الوظائف الأعلى راتبا والأكثر استقرارا وراحة وعزفوا عن غيرها من الوظائف.
* إقبال المواطنين على الدراسة في نوعية من المجالات لا يحتاجها سوق العمل.
* عزوف المواطنين عن العمل في المهن متدنية المستوى أو منخفضة الراتب مثل الوظائف الفنية والحرفية والخدمية بينما تقبل العمالة الوافدة بالعمل في مثل هذه المهن.
* تركز العمالة الوطنية في المناطق الحضرية الرئيسية ورفضهم للعمل في مناطق أخرى.
* حاجة العمالة الوطنية إلى التدريب بينما تستقدم دول الخليج العمالة الوافدة الماهرة.
بالإضافة إلى تلك العوامل فإن هناك بيئة محيطة مشجعة على زيادة الاعتماد على العمالة الوافدة على حساب العمالة الوطنية ولعل من أهمها:
* عدم تكافؤ الفرص في العمل بين الرجل والمرأة رغم زيادة إقبال المرأة الخليجية على التعليم.
* رفض القطاع الخاص توظيف عمالة وطنية حيث يعتبر الخريجين غير مؤهلين بسبب مناهج التعليم، كما أن هناك تخوفا لديه من تعيين المواطنين لأنهم في حاجة إلى تدريب مكلف هذا بالإضافة إلى سهولة الاستغناء عن العمالة الوافدة عندما يرغب في ذلك بخلاف العمالة الوطنية.
* عدم رغبة العمالة الوافدة في المواقع المختلفة في تدريب العمالة الوطنية الداخلة حديثا إلى العمل خوفا من أن يأخذ
ومع تزايد الأعداد الوافدة إلى منطقة الخليج ظهرت العديد من الآثار السلبية لها ومنها استنزاف تلك العمالة الموارد الاقتصادية للدول تحويلها إلى الخارج حيث تقوم العمالة الوافدة بتحويل أموالها التي تحصل عليها إلى بلادها الأم مما يؤثر على ميزان المدفوعات الذي يشهد نزيفا مستمرا من جراء تحويلات العاملين مما أدى إلى انخفاض في فائض الحساب الجاري بنسبة كبيرة حيث بلغت قيمة تحويلات العاملين في دول الخليج نحو 30 مليار دولار عام 2004 مقارنة بنمو 27مليار دولار عام 2002 وقد بلغت التحويلات من السعودية فقط نحو 63 % من إجمالي التحويلات عام 2004 حيث بلغت نحو 19 مليار دولار بينما بلغت في الإمارات نحو 15% بقيمة 4.5 مليارات دولار تقريبا وفي باقي دول المجلس 22% بواقع 6.5 مليارات دولار هذا بخلاف التحويلات غير الرسمية التي تمت حيث بلغت نحو 5.4 مليارات دولار عام 2004 وقد شكلت تلك التحويلات نسبة 8% من الناتج المحلي الإجمالي للدول الخليجية ولم يقتصر الأمر على الأثار العينية التي تسببها خروج رواتب العمالة من الدورة الاقتصادية لدول الخليج بل امتد أثرها إلى أنها أحد العوامل الهامة في ظهور مشكلة تمثل أهم التحديات التي تشهدها المنطقة الآن ألا وهي التحدي بين العمالة الوطنية وخاصة بين خريجي الجامعات والمدارس وذلك نتيجة لزيادة نمو السكان وزيادة العمالة الوافدة المدربة التي تحل محل العمالة الوطنية في الوقت الذي توقف القطاع الحكومي عن تعين المزيد من الموظفين لعدم قدرته على سداد رواتبهم وأصابته بحالة من التضخم الوظيفي.
وفي ضوء تلك الأثار السلبية للعمالة الوافدة كان لابد من تبني استراتيجية وطنية تعمل على توطين العمالة الوطنية محل الوافدة من خلال:
* تدريب العمالة الوطنية وإعدادها لسد حاجات سوق العمل وفي إطار هذا يتم إنفاق أكثر من بليون دولار سنويا على برامج التدريب والتأهيل.
* الحد من فترة إقامة العمالة الوافدة بحيث تكون إقامة مؤقتة وليس دائمة فمثلا جعلتها دول الخليج تتراوح فيما بين أربع أو خمس سنوات فقط.
* إعادة تدوير رواتب العمالة الوافدة في دورة الدخل والإنتاج مرة أخرى من خلال وضع الآليات الاستثمارية التي توظف مدخرات العمالة الوافدة بما يوفر مصلحة لاقتصادياتها وللمودعين الوافدين من خلال إتاحة فرص ادخارية لسعر فائدة تجزي في المصارف الخليجية.
* منح مزيد من الحوافز كالإعفاءات الضريبية والمزايا الأخرى لتشجيعه على توظيف مزيد من الأيدي العاملة الوطنية.
* غرس وتنمية مفاهيم الانتماء والمواطنة وقيم العمل وذلك للحد من الأفكار السلبية التقليدية السائدة في المجتمع سواء كان ذلك عن طريق وسائل الإعلام أو المؤسسات التعليمية المختلفة.
وعلى الرغم من الحلول السابقة والتي تمكن وتشجع على إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة إلا أن ذلك سيكون له تأثير سلبي على اقتصاديات دول الخليج فبعد مغادرة أعداد كبيرة من العمالة الوافدة التي يتم الاستغناء عنها سيتأثر حجم الاستهلاك داخل السوق الخليجي بالسلب. كما ستتأثر أيضا حركة الطيران بين الدول المستقبلة للعمالة الوافدة والدول المصدرة لها وهو الأمر الذي سيؤثر على عوائد شركات الطيران ولعل هذا ما جعل البعض يطالب بأن حل مشكلة العمالة الوافدة في دول الخليج يحتاج إلى إحلال جزئي وتدريجي من تلك العمالة بدلا من التخلي عنها بشكل سريع مما سيؤدي إلى أثار عكسية على اقتصاديات دول الخليج، وذلك للمحافظة على ما حققته دول الخليج من معدلات نمو مرتفعة.
كاتب اقتصادي
e-mail:asa5533@hotmail.com