الجماعة التي تحتل وسط بيروت، هي طرف هلال التيار الصدري المسلح الذي يحتل مدينة البصرة في العراق، فكلاهما يمثلان جماعة متطرفة مؤدلجة ومسلحة، ترفض الانخراط بمشروع الدولة الحديثة وتستبدل هذا بالشعارات والمزايدات الزاعقة، ودعاوى التحرير.
المفارقة هنا أنهم يستمدون غطاءهم وشرعيتهم من أحلام المقاومة وتحرير الوطن من المحتل أو المحتلين، وينعتون جميع من يتصدى لمشروعهم بالخيانة والانتقاص من الانتماء, على حين أن لا أحد يسألهم عن الجهل الذي يحتل ويطبق على ما تحت عمائمهم.
وما يدعم هذه الشعارات ويمنحها قوتها وفاعليتها، إن من يتصدى لها ويقاومها هو الاحتلال الأمريكي في العراق، أو ذراعه (الاحتلال الإسرائيلي) في فلسطين، وبداخل هذا الجو العنيف المشدود المكهرب، يسقط أي مشروع لدولة مدنية حديثة تقوم على العدالة والمساواة وسقوف الحريات المرتفعة ومؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي, وما يندرج تحت هذا البند من مشاريع التحديث التي تنتظرها جميع بني المجتمع في العالم العربي.
لأن جميع هذا قدم في حقيبة المحتل، و يندرج في أجندته، وبالتالي لن يصيخ السمع له شارع انفعالي متشنج، تطربه الدعاوى والشعارات البراقة وطبول جوفاء تصم الآذان. وتتواصل العمليات العسكرية في مدينة الصدر والتي تشنها القوات العراقية بدعم من القوى الأمريكية، لتتجاوز حصيلة القتلى 400 قتيل، من الدم العربي الواقع بين مطرقة الاحتلال الأمريكي والسندان الفارسي.
هذا الدم المهدر الكثير الذي سيلوث صفحات التاريخ طويلاً، ويراكم المزيد من السجلات المشينة ضد الحكومة الأمريكية الحالية، والتي اختارت أسلوب العضلات والعقول الفارغة، متناسية مثلاً إنجليزياً يقول talk softly and carry a big stick، لكن الإمبراطورية الأمريكية لم تنصع لهذة الحكمة، ولم تكتف بدسائس وكالة المخابرات الأمريكية من ناحية، والمدمرات الحربية العظيمة التي تمخر المحيطات من ناحية أخرى، بل تورطت في المستنقع العراقي، بشكل يقترب من حروب العصابات والمافيا، دافعة المنطقة إلى حافة خطرة من الحروب والكوارث.
وبالتالي بات من العسير الإنصات إلى جميع الأصوات العقلانية الهادئة الداعية إلى الانتقال بالمنطقة إلى زمن يعلي من قيمة البشر وإنسانيتهم وكرامتهم، ويقود المجتمعات إلى الانشغال بالتحضر والتمدن والتنمية.