«الجزيرة»- عبد العزيز السحيمي
حذر خبير في المصرفية الإسلامية من تحول السيولة النقدية لدى البنوك التقليدية في الدول الإسلامية إلى التعاملات المالية مع المؤسسات الغربية التي تقدم منتجات مالية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية في ظل الاهتمام المتزايد منها بهذا النوع من المعاملات وبخاصة في بريطانيا التي تسعى لإيجاد صبغة إسلامية على معاملاتها المالية من خلال عرض معاملاتها على المجلس الشرعي للمحاسبة اليوفي لإكساب معاملاتها البُعد الشرعي بعد أن رفض المجلس ذاته عدداً من المعاملات المالية المخالفة للشريعة الإسلامية.
وقال الدكتور عبد الرحمن الأطرم عضو مجلس الشورى والمتخصص بفقه المعاملات الشرعية في أمسية الجمعة التي يقيمها الدكتور عبد العزيز العمري عضو المجلس البلدي بمدينة الرياض إن المؤسسات المالية الأجنبية لو أصدرت صكوكاً بقيمة تريليون جنيه منضبطة بالأحكام الشرعية على أن تكون سهلة التداول ذات إيرادات ومخاطر متدنية لحلت محل السندات واستطاعت أن تسحب السيولة من البنوك التقليدية في الدول الإسلامية.. وأضاف أن البنوك الأوروبية والأمريكية تهتم بالعمل المالي الإسلامي خلال الفترة الأخيرة وتسعى لإضفاء الصبغة الشرعية على معاملاتها المالية وتسارع لإيجاد معايير شرعية لها وهي تعمل على ذلك بخطى متسارعه مستغرباً تجاهل المؤسسات المالية التقليدية في بعض الدول الإسلامية إيجاد هذه المعايير.
ورفض الأطرم الاتهامات التي طالت الهيئات الشرعية في البنوك المحلية من تعرضها لضغوط من قِبل إدارة البنك, وعدَّ إيجاد هيئة شرعية استشارية تتبع مؤسسة النقد للرجوع إليها في الجوانب الشرعية بغير المجدي وغير الواقعي.. ولا يمكن العمل على ضوئه لأنه يشكل تعطيلاً للبنوك ويقتل روح المنافسة والإبداع لديها, ووجودها جيد في بناء المنتج, والاستفتاء في بعض الأمور في التفكير في البدائل وإيجاد الحلول لأن الهيئة المركزية لن تعايش المنتج مع البنك الذي يريد المنافسة والذي يمر بمراحل منها الإقرار الشرعي وكيف تتواءم مع الشريعة.
ولم يخفِ أهميتها الكبرى في الإشراف على عمل الهيئات وتنظيم عملها وتكون مرجعية للهيئات عند اختلافها والوقوف لبعض الآراء الشاذة.
وعن أسلوب عمل الهيئات الشرعية في مناقشة القرارات قال إن القرار في الهيئات يكون في الأغلبية إلا إذا كان القرار للتمرير فتشترط بعض الهيئات أن يكون بالإجماع, أما عرض المسائل فيكون حسب القرار الذي أُنشئت من أجله الهيئة.
التجربتان الماليزية والسودانية
وأشاد عضو مجلس الشورى بالتجربة السودانية والماليزية في المصرفية الإسلامية وقال عنها إنها تجارب فريدة تبنت فيها البنوك المركزية في البلدين هذا الأمر وأنشأت هيئات شرعية وهي تجارب مميزة وفريدة مشدداً على الحاجة إلى الاعتراف من البنوك المركزية لهذا النوع من العمل في بعض الدول الإسلامية وبخاصة في المملكة التي يحتاج أن يتبنى البنك المركزي قيام المؤسسات المالية الإسلامية وأن يكون هو النظام الوحيد فيها.. وقال إن تبني الجهة الإشرافية لهذا الموضوع سيجعلها مسئولة في تحقيق الحيادية في المرجعية والرقابة الشرعية لأنه ستكون هناك معايير للرقابة والإشراف ومعايير لإصدار الأحكام وسيكون هناك هيئة مركزية مهمة لتطور العمل في الهيئات الشرعية وجهات الرقابة إلى أسلوب أكثر تركيزاً وأكثر بُعداً عن الاجتهادات والتناقضات والتضارب وليصبح عملها مؤسساتياً معترفاً به على مستوى الأجهزة الرقابية والإشرافية, وأضاف أن من المؤمل أن تصل الهيئات إلى الضبط الشرعي الذي أصدرت هيئة المحاسبين جزءاً من المعايير تحت مسمى معايير الضبط الشرعي، وهي بذلك تحقق جزءاً من المأمول في الهيئات الشرعية لافتاً الى وجود معايير لضبط وبيان الأحكام الشرعية لجملة المعاملات المالية من الناحية الشرعية وهذه المعايير تحتاج إلى الاعتراف بها من أي من البلاد الإسلامية أو بعضها ثم انتشارها لتصبح معترفاً بها عالمياً ودولياً وهذا يُعد مكسباً, والمحاسبة تصدر معايير محاسبية من أهل الاختصاص ومن جهات غير الإشراف وهم يصدرون هذه المعايير وتطبقها جهات أخرى فصدرت معايير المحاسبة ومعايير دولية أصدرتها بازل وصدرت معايير محلية من هيئة المحاسبين السعوديين ومن خلالها يتمكن المحاسبون القانونيون المصادقة على المركز المالي للمنشآت من خلال متابعتها طوال السنة.. وإذا لم تخضع هذه المعايير للإجراءات التي تصل إلى ثمانية في بعض الهيئات المحاسبية وتقل عنها في محاسبية أخرى بدءاً من الدراسة وانتهاء بالإقرار مروراً بجلسة الاستماع الموسعة.
وقال الأطرم: نشأت الحاجة إلى معايير شرعية من أجل ضبط العمل الشرعي ولأجل حل المشكلات التي تواجه الهيئات الشرعية لأن بعض الجهات المالية ترغب التحاكم وفق القانون الإنجليزي أو غيره الذي يتعارض مع مسألة المرجعية الشرعية في التحكيم والتقاضي ومن المأمول وجود معايير شرعية وقد أدرك القائمون على المؤسسات المالية الإسلامية أهمية ذلك فنشأ مجلس شرعي لإصدار المعايير الشرعية في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية التي أُنشئت في 1410هـ بصفتها هيئة عالمية ذات شخصية معنوية مستقلة غير ربحية الهدف منها إصدار معايير محاسبية تتفق وتنسجم مع المنتجات المالية الإسلامية ومع المعايير الشرعية فأنشأت لجنة شرعية يطلقون منها بيان بعض الأحكام ومن ثم يصدرون المعيار المحاسبي ومعايير مراجعة على ضوئه وأُنشئ مجلس شرعي يتبعه في عام 1418هـ وتم تكوينه من أعضاء من جميع الدول الإسلامية.. وأصدر أول معيار له في عام 1421هـ بعد بداية نظريه استمرت طويلاً لهذا المجلس.. وكان أول معيار بعد البداية العملية هو معيار المتاجرة بالعملات وتم إصدار كتاب يضم 30 معياراً في العام الماضي, وتبقى الضلع الثالث من المعايير وهو معايير الإشراف والرقابة التي تصدرها البنوك المركزية من أجل تسديد مسيرة المصرفية الإسلامية ولكن لم تصدر الجهات المعنية هذه المعايير فسعت هيئة المحاسبة بالتعاون مع كبرى المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي وتمَّ عرض إنشاء مجلس للخدمات المالية الإسلامية لإصدار معايير الرقابة والإشراف والتي أيدها صندوق النقد الدولي وكانت الفكرة أن تكون خاصة بالهيئة إلا أن تبني ماليزيا للفكرة ودعم المجلس عجَّلا بموافقة رؤساء بعض الدول الإسلامية على أن يكون مقره في ماليزيا وأصبح يصدر هذه المعايير التي نحتاج إلى الاعتراف بها عن طريق الجهات المخولة بالرقابة والإشراف وحينئذ تتحول صناعة السوق المالية الإسلامية من كونها اجتهادية إلى العمل المؤسساتي المعترف به.
مطالباً البنوك المركزية بالاعتراف بالمعايير الشرعية وتفعيل الاعتراف بها على المستوى الدولي والعالمي في ظل اعتراف بعض الدول بهذه الضوابط والمعايير مؤملاً في اعتراف البنوك المركزية بالمصرفية الإسلامية وتبدأ بالتدخل والإشراف عليها من الناحية الشرعية.. وهذا الاعتراف سيجعل العمل في المصارف الإسلامية لا يخضع لبعض الاجتهادات تضر بجميع الأطراف.. وقال إنه نتج في بعض البنوك الإسلامية بعض الممارسات إما أن يكون دافعها الاستغلال المادي أو الاستغلال الديني من خلال تسويق منتجات غير صحيحة شرعاً لأن الجهة المشرفة لن تقف مؤدبة هذا البنك على مجاوزته لأن هناك معايير للإشراف الشرعي.
واقع الهيئات الشرعية
وحول واقع الهيئات الشرعية أوضح الدكتور عبد الرحمن الأطرم أن اعتماد إنشاء الهيئات بُني على الاجتهادات, فليست هناك نصوص منظمة أو قانونية ترجع إليها, وكانت وليدة نظرة المؤسسات المالية خاصة أنه حين نجد تأصيل المرجعية الشرعية يكون له أثر كبير في القبول لها وكسب ثقة العملاء والمتعاملين وفق الأحكام الشرعية.. ومن المشاكل التي تعترض الهيئات الشرعية قال الاطرم إن تأسيسها واختيار أعضائها تتفاوت النظرة إليه والشروط الواجب توافرها في العضو المختار ونتيجة لذلك فإن مسألة استقلالية الهيئات بتجرد عن أي ضغط أصبحت تتفاوت من جهة لأخرى في نظرة من يتبنى هذه الهيئات من أجل الكسب المادي والربح ومن ثم تكون الاستقلالية فيها أقل من التبني من أجل المصداقية والحرص على التطبيق الشرعي بالإضافة للكسب المادي وهي عوامل تؤثر في عملية استقلالية الهيئة.. وبيَّن إن من المشاكل أيضاً تطبيق القرارات إذ إن كثيراً من ممارسي العمل المصرفي متخرج من المدرسة المالية التقليدية, ونتيجة لذلك كانت الفجوة والتضارب في الفتوى أكبر وإن كان تعدد الاجتهاد في الفتوى أمراً مطلوباً، لكن هناك نقاطاً تكون محل تقارب, ولو كانت هناك معايير شرعية نالت الاعتراف كالسوابق في القضاء ووجود هذه المعايير التي نتجت عن سوابق وتراكم في مسيرة الهيئات الشرعية لخفف التضارب في الفتوى, وأضاف أن من المشاكل التي أثّرت في واقع الهيئات مشكِّلة الرقابة التي لم تمارس معها الهيئة دورها الرقابي أو إيجادها لآلية الرقابة ولذا استغل اسم الهيئة في إجازة المنتج وهي لا تعلم عن ممارسة المنتج وتطبيقه ولا شك أن ذلك يُعد خللاً في تنظيم عمل الهيئات الشرعية ومدى سلطتها في رقابتها على المصارف ولا تلزم أن تكون جهة الفتوى هي جهة الرقابة ولا بد أن تكون هناك آلية تضمن وجود رقابة بعد إصدار قرارات الإجازة بحيث تكون ذات استقلالية عن إدارة المنشأة وإلا أصبحت رقابة داخلية وستفقد كثيراً من قدرتها على الحياد ومن ثم تصدر التقارير متأثرة بتطبيقات وممارسات وتوجهات القائمين على تلك المنشآت وهذه أبرز الإشكاليات في واقع الهيئات الشرعية.
وبيَّن الأطرم أن الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية تولت أمرين مهمين هما الفتوى الشرعية أو إصدار القرار بجواز المعاملة سواء فكرة المنتج أو فكرة المعاملة أو في الوثائق وأي معاملة تقدم أولاً على شكل فكرة وتكون محددة لها ولمسارها, وبعد ذلك تأتي مرحلة الوثائق للفكرة وقد تكون الوثيقة اتفاقية أو عقداً أو نموذجاً وغيره.. ولا بد أن تجاز تلك الوثائق بعد إجازة فكرة المنتج وقد يدخل هذان الأمران للهيئة الشرعية لأن الفكرة لو أجيزت غير وثائقها فقد يأتي نص واحد أو شرط واحد يفسد المنتج.
وأكد الشيخ أن بعض العاملين في المؤسسات المالية يدعون الهيئات إلى إجازة الفكرة دون الدخول في صياغة الوثائق والعقود وتركها للجهات ذات العلاقة.. لكن تبيَّن إن ذلك يُورث أخطاءً فادحة للغاية وفي مرحلة التعديلات وجدنا أن تعديل بعض الجهات في جملة قد يلغي المنتج المجاز من أساسه فاتخذت بعض الهيئات الشرعية قراراً في منشآتها أنه لا يجوز التعديل في أي نص إلا بعد الرجوع للهيئة الشرعية في أي نص منه.. وأردف قائلاً إن الهيئات تُراعي أمراً آخر وهو أن بعض الأشياء الشكلية تعطي فرصة فيها كالبيانات التي تركت الهيئة التدخل فيها للجهات المعنية مهتمة بنص الشروط التي تؤثر في بنية العقد وتعود على بنية المنتج من أساسه وفي هذه المرحلة أكد الأطرم أنها تشهد مناقشات مع الجهات المعنية ومناقشة الجهات ذات العلاقة.. وقد يجري مناقشات مع جهات خارج البنك لأن الموظف المختص قد لا يملك الصلاحيات لإعطاء المعلومات الكافية التي تُبنى عليها الأحكام ويحتاج خلالها إلى توثيق المعلومات والمصادر التي قد تتصل بأطراف أخرى فالنظر في إجازة المعاملات من أولويات عمل الهيئة.
وأضاف أن من أعمال الهيئة كذلك الرقابة على تطبيق القرارات الصادرة من الهيئات نفسها وهذا الإجراء مهم لأنه تم كشف عدد من المخالفات الناتجة عن الجهل في فهم القرارات أو تعمد المخالفة أو الالتفاف على القرار وهو موجود ويقل حدوثه عن سبب الجهل فكان لا بد من الرقابة على تطبيق القرارات ومن ثم يتبع ذلك التدريب الشرعي داخل المنشآت التي بدأت الهيئات في اتخاذه من أجل إفهام القرارات للموظفين وكذلك بيان إجراءات تطبيقه بحيث يصل الموظف للتطبيق الشرعي وتدخل المتطلبات الشرعية ضمن منظومة الإجراءات العملية التي يطالب بها الموظف حتى يطبق المنتج تطبيقاً صحيحاً.. مشيراً إلى أن من ضمن أعمال الهيئات الشرعية التوجيه بإجراء دراسات وبحوث وعقد لقاءات ومنتديات ومؤتمرات لبعض المنتجات التي لا يمكن أن تنتج عن لقاء هيئة لاستغراقها الوقت الطويل والمدارسات.. مؤكداً إقامة ملتقيات من أجل فكرة للوصول إلى إجازة شرعية لها ومن ثم يتفرع منها منتجات أخرى.
وأردف الدكتور عبد الرحمن الأطرم أن إنشاء الهيئات الشرعية يتم في بعض البنوك بناء على نص قانوني يلزم عند إنشاء بنك إسلامي من تأسيس هيئة شرعية.. كما أن هناك بنوكاً لا يتدخل القائمون عليها.. وهناك بنوك نظامها الأساسي يكون ملزماً بإنشاء هيئة شرعية وقد تكون الآلية التي تختارها الجمعية العمومية في إلزام النظام هي تعيين هيئة أو أن تكون مبادرة من الجمعية العمومية التي تكون فيها استقلالية الهيئة أكثر من غيرها وأما إن كانت من قبل مجلس الإدارة فاستقلاليتها تكون أقل وأما إن كانت من قِبل الرئيس التنفيذي فذلك يُعد هيئة داخلية.