تقرير - حازم الشرقاوي
الاستراتيجية الزراعية والأمن الغذائي وجهان لعملة واحدة، وتتحقّق الأخيرة بتوفُّر الأولى، وظهرت هذا العام أزمات غذائية ضربت عدداً من دول العالم، وهناك توقعات باستمرارها في عام 2009 مما يتطلّب تفعيل الاستراتيجية الزراعية في المملكة خلال المرحلة المقبلة، رغم إقرار تخفيض زراعة القمح في البلاد حتى إيقافه في 2016، فهذه القضية تحتاج إلى وقفة عميقة نرصد من خلالها الواقع العالمي والعربي للوضع الغذائي، وما يجب اتخاذه من قرارات تناسب هذه المرحلة .. فقد أكد محمد عبد الله أبونيان رئيس اللجنة الزراعية بغرفة الرياض على أهمية تفعيل الإستراتيجية الزراعية وقال ل(الجزيرة): إن الوضع الحالي يتطلب وجود مخزون غذائي إستراتيجي وقنوات مفتوحة على الجميع، مع الاهتمام بالقطاع الزراعي والعمق الحالي لهذا القطاع، موضحا أنه بالإضافة إلى الاعتماد على جزء من الاستيراد، يجب أن يكون لنا عمق زراعي يوفر جزءاً كبيراً من احتياجاتنا الغذائية التي تُعد بمثابة الأمن الغذائي الحقيقي للمملكة.
توقُّف زراعة القمح
وكانت وزارة الزراعة قد قرّرت بداية العام الجاري 2008، التوقُّف عن زراعة القمح، والتحوُّل إلى استيراد كل حبة من احتياجات المملكة السنوية بحلول عام 2016 بموجب خطة لتوفير المياه، وذلك من خلال خفض مشترياتها من القمح من المزارعين المحليين بنسبة 12.5% سنوياً، كما قررت المملكة أن يكون موعد دخول أولى شحنات القمح المستورد مطلع العام المقبل 2009، وذلك للمرة الأولى منذ 25 عاماً كانت المملكة تعتمد على احتياجها ذاتياً. ويقدّر الاستهلاك السنوي بنحو 2.7 مليون طن سنوياً، كان يوفر على مدى 25 عاماً من الإنتاج المحلي.
الارتفاعات الغذائية
يقابل التوقُّف عن زراعة محصول القمح في المملكة تقرير للبنك الدولي يشير إلى ارتفاع الأسعار العالمية للقمح بواقع 181% على مدى 36 شهراً الأخيرة التي سبقت شهر فبراير 2008، كما شهدت الأسعار العالمية للمواد الغذائية بصفة عامة ارتفاعاً نسبته 83 في المائة. وارتفع طن القمح التايلندي بمقدار 197 دولاراً لكل طن خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث بلغ 562 دولاراً للطن نهاية اذار مقارنة بحوالي 365 دولاراً للطن بداية يناير، فيما ارتفع طن القمح الأمريكي بمقدار 65 دولاراً بعدما وصل طن القمح الأمريكي إلى حوالي 440 دولاراً نهاية مارس، في حين وصل سعره مع بداية العام حوالي 375 دولاراً للطن. وأشار التقرير إلى أنه من المُتوقع أن تظل أسعار المحاصيل الغذائية مرتفعة في عامي 2008 و2009 ، قبل أن تبدأ في الانخفاض، إلاّ أنّه من المرجّح أن تظل أعلى من مستوياتها في عام 2004 حتى نهاية عام 2015 بالنسبة لمعظم المحاصيل الغذائية.
وقد دعا رئيس البنك الدولي روبرت زوليك في مطلع ابريل، إلى عقد غذائي جديد على المستوى العالمي، لمواجهة ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية. وأوضح أن (هذا العقد الجديد يستهدف الأمور الطارئة في مجال الغذاء والتنمية اللازمة على الأمد البعيد للقطاع الزراعي).
التشخيص :
وشخّص محمد أبونيان الأزمة الغذائية في العالم بأنها تقوم على نقص في المعروض وزيادة كبيرة في الطلب، معرباً عن أمله في عدم الاستمرار في هذه الأزمة .. مؤكداً على أهمية تأسيس شركات زراعية سعودية للاستثمار في مصر والسودان لتوفير الاحتياجات الغذائية للمملكة، كما دعا إلى إبرام اتفاقيات بين الدول العربية لإيجاد نوع التكامل الزراعي والغذائي بينها.
العوائق الزراعية :
فيما كشف الدكتور فوزي نعيم، رئيس الوفد المصري في اجتماعات الدورة الثلاثين للجمعية العمومية للمنظمة العربية للتنمية الزراعية، التي بدأت أعمالها أول أمس في الرياض، عن بعض العوائق التي كان لها أثر سلبي على التكامل والأمن الغذائي العربي، منها بناء قواعد معلومات عن المشروعات الزراعية، وفرص الاستثمار الزراعي التي تساعد على جذب الاستثمار الوطني والعربي والأجنبي، مع ملاحظة عدم ملاءمة العديد من التشريعات ذات الأثر المباشر على قطاع الاستثمار، الأمر الذي يحد من جاذبية الاسثمار المستهدف، التي يجب أن نوليها الاهتمام المناسب، كما أشار إلى عدم وجود قاعدة تفصيلية من المعلومات اللازمة للمستثمرين ورجال الأعمال، لتحديد تدفُّق الاستثمار إلى القطاعات الزراعية.
الزراعة العربية :
أشارت المؤشرات الاقتصادية والتقنية في تقرير منظمة التنمية الزراعية العربية، إلى ارتفاع قيمة الناتج الزراعي العربي من حوالي 66.7 مليار دولار عام 2004 إلى حوالي 80.4 مليار دولار عام 2006، وبزيادة تقدّر بنحو 20.6%، وهي زيادة تعكسها الارتفاعات المستمرة في أسعار السلع والمنتجات في الأسواق العالمية . وفي المقابل ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للوطن العربي بحوالي 42.7% ، حيث ارتفعت قيمته من حوالي 898 مليار دولار عام 2004 إلى حوالي 1282 مليار دولار عام 2006م.
وبرغم الارتفاع في قيمة الناتج الزراعي بين عامي 2004 - 2006، إلاّ أن مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي قد تراجعت من حوالي 7.4% عام 2004 إلى حوالي 6.3% عام 2006م.
وبيّنت المؤشرات الاقتصادية والتقنية لتطورات التنمية الزراعية العربية بين عامي 2004 - 2006 ارتفاع الرقم القياسي لقيمة الإنتاج الزراعي العربي خلال الفترة المعنية، وارتفاع إنتاجية العامل الزراعي العربي خلال نفس الفترة بنسبة تقدّر بنحو 10%.
أما المؤشرات الموردية الأرضية والمائية، فقد أوضحت ارتفاع المساحة المزروعة خلال تلك الفترة ، وقد نتج ذلك نتيجة للارتفاع الملحوظ في مساحة الأراضي المطرية، فيما تراجعت مساحة الأراضي المروية. ومن ناحية أخرى، ارتفعت مساحة المحاصيل المستدامة بنسبة تقدّر بنحو 5.7%، ويقابل ذلك ارتفاع في مساحة المحاصيل الموسمية بمعدل تغير أقل لا يزيد على 4.5 ، كما شهدت مساحة محاصيل الحبوب ارتفاعاً يقدّر بنحو 16.7%.
من جانب آخر فقد تناول التقرير أوضاع التنمية الزراعية والريفية المستدامة في الوطن العربي، حيث أوضحت نتائج التحليل أن الزراعة العربية تواجه العديد من التحديات التي تتمثل ليس فقط في محدودية ما تملكه الدول العربية من موارد زراعية، إنما في القدرة على استغلالها بفعالية، وتنميتها قياساً بالمستويات التي حققتها العديد من دول العالم.
ومن أهم التحديات التي تواجه الزراعة العربية: زيادة القدرة على تنمية الموارد وبخاصة المياه، المواءمة مع المتغيرات الدولية والإقليمية، اللحاق بالتطورات التكنولوجية المتسارعة، تحقيق التوازن بين المنظورين القومي والقطري في تخطيط وتنفيذ السياسات الاقتصادية والزراعية، زيادة فاعلية مؤسسات المزارعين وبخاصة صغارهم في تدعيم أنشطة الإنتاج والتسويق وتوفير الغذاء، زيادة جاذبية الاستثمار الزراعي العربي في البيئات الملائمة، تحسين الأحوال المعيشية لسكان الريف، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية العربية في الأسواق الدولية.
كما حدد التقرير أهم المشاكل والمعوقات التي تواجه القطاع الزراعي في الدول العربية، حيث أجملها في التغيرات المناخية غير الملائمة، محدودية الأراضي الزراعية وموارد المياه، ملوحة الأراضي الزراعية، تدني مستويات الإنتاجية في الأراضي البعلية، صغر الحيازات وتفتتها ، ضعف التكامل النباتي الحيواني، نقص الأعلاف الحيوانية، وصعوبات التمويل والتسويق لصغار المزارعين.