ذكرنا في المقالة السابقة مدى تأثر بما يسميه بعض العلماء ب (التعويض النيابي) على قدرات المعاقين، وكذلك تأثيره النفسي والجسدي عليهم، وفي هذه المقالة سنحاول الإجابة على التساؤلات حول مقدرة التوجيه المهني على تنمية قدرات المعاقين من خلال ..
توجيههم إلى مهنة مناسبة لميولهم وقدراتهم واستعداداتهم من جهة، وتتناسب أيضا مع درجة ونوع إعاقتهم من جهة ثانية وإمكانية الاستفادة منها في سوق العمل من جهة ثالثة على نحو يحقق لهم السعادة والرضا مما ينعكس نفسيا وإيجابيا على حياة المعاق في الأسرة والمجتمع، وتلك الفئة تحتاج إلى عناية خاصة ومتابعة مستمرة، وتوفير تأهيل مهني كمرحلة أولى، وبالتالي الدخول في مرحلة التأهيل والتدريب المهني، والتوجيه المهني هو عبارة عن برنامج خاص للمعاقين لمساعدتهم على اكتشاف ذواتهم واكتشاف عالم الأعمال، أو المهن والمواءمة بينهما من خلال اختيار قرار مهني ملائم، فيؤهل بها ويدخلها ويرقى في درجاته الفنية عبر عملية تأهيل مقننة، ومحور تلك العملية هو المعاق نفسه الذي نقوم بمساعدته على التكيف المهني ومنه النفسي لمهنة المستقبل، وبالتالي استغلال الطاقة البشرية في المجتمع إلى أقصى حد مستطاع، فعملية التوجيه المهني تحتاج إلى مهارة خاصة من قبل الموجه المهني لكي يتم من خلالها اختيار المهنة المناسبة، وفي نفس الاتجاه فقد أكد علماء كثيرون منهم (سترول وآتول) أن الاختيار المهني يتطلب توازناً بين خصائص الشخصية للإنسان ومتطلبات المهنة، فهناك فروق فردية تميز كل شخص عما سواه، منها ما يعود لعامل السن وفروق تعود لعامل الجنس وأخرى تعود لعوامل اجتماعية وعقلية أو تعود لنمط الشخصية بصورة عامة، ويقول الدكتور عبدالحميد شوقي في كتابه علم النفس التكنولوجي الصناعي: (فكل إنسان يجب أن يجد عمله بين مختلف الوظائف الاجتماعية حتى إن كان عاجزاً أو مريضاً أو ذا عاهة معينة).
للتوجيه المهني للمعاقين أهداف ذكر منها الباحث يوسف شلبي في كتابه (التأهيل المهني للمعوقين) ما يلي:
* تزويد الشخص المعوق بمعلومات كاملة عن فرص التدريب وفرص العمل المتاحة والمناسبة في سوق العمل.
* تقديم المشورة حول المستقبل المهني الذي سيتيح للشخص المعوق كل الفرص المتاحة والمناسبة في سوق العمل.
* العمل على أن تتطور لدى الشخص المعوق مرونة كافية وخبرات تجعله قادراً على مواجهة التطورات المتسارعة في حياته المهنية.
* مساعدة الشخص المعوق على تحديد نواحي النقص لديه والتي قد تؤدي إلى عدم نجاحه في اختيار المهنة الملائمة له، ومساعدته على معرفة إمكانياته وقدراته وتقبل الدور الذي سوف يقوم به في مجال العمل بما يضمن تحقيق المنفعة للمعوق وللمجتمع.
مع كل تلك الأهداف المثالية والتي من خلالها يتحقق للمعاق ذوي القدرات ما يصبو إليه، يجب أن نضع في اعتبارنا وجود معوقات على الرغم مما يقدمه المختصون في شئون الإعاقة من خدمات ملموسة ونذكر هنا بعضا منها:
* عدم الفهم الواضح بمعرفة آليات التوجيه المهني.
* عدم توافر عدد من الأخصائيين والموجهين الذين يتمكنون من العمل والتعاون في مجال التوجيه المهني للمعاقين.
* نقص المعلومات والبيانات حول مدى طاقات المعاقين واستعداداتهم وقدراتهم ومن ذلك (التحصيل الدراسي، الميول، الاتجاهات النفسية، الشخصية، الحالة الجسمية والصحية، القدرة العقلية العامة، الاستعدادات الخاصة.......).
* النقص الواضح في المعلومات المهنية التي يمكن الاعتماد عليها في عملية التوجيه المهني للمعاقين.
وتلك المعوقات لها نتائج تنعكس بشكل سلبي على المعاق منها ما يطلق عليه (سوء التوافق المهني) ومن نتائجها ما يلي:
* قلة الإنتاج من ناحيتي الكم والكيف.
* التنقل المستمر غير المدروس بين الوظائف في سوق العمل.
* الإكثار من الأخطاء الفنية.
* كثرة التغيب والتمارض بدون عذر.
* اللامبالاة والتكاسل.
* الإسراف في الشكوى والمشاغبة.
* كثرة الاحتكاك مع الزملاء والرؤساء.
نتيجة لما سبق فكل معاق له حاجاته التي لا تشبع إلا من خلال التوجيه المهني السليم، ويختلف بالحاجات التي يحتاجها عن غيره من المعاقين، ومتى ما وُجد المعاقون ذوو القدرات الخاصة في أي قطاع فيحق لهم أن يجدوا معاملة ورعاية وتربية خاصة نظرا لتميزهم عن غيرهم، مع ضرورة إشباع كافة الحاجات الخاصة لديهم..، وأخيرا لابد من عمل برامج للتوجيه المهني وتوفير الموارد المالية واعتبارها من البنود الأساسية في ميزانيات رعاية تأهيل المعاقين، ووضع معايير ملائمة وتشريعات مناسبة تضمن الحق للمعاقين في التدريب والعمل كغيرهم مع ضمان التمويل الكافي المستمر لمثل تلك البرامج، وما المانع في أن يتبنى صندوق تنمية الموارد البشرية تمويل تأسيس مراكز مختصة للتأهيل والتوجيه المهني، فهل نرى استجابة من الصندوق؟... وللحديث بقية.
كاتب وأكاديمي سعودي
zeidlolo@hotmail.com