إن الله خلق الخلق في هذه الحياة ليعبدوه، ويتقوه ولا يعصوه، وأرسل لهم رسلاً لهدايتهم للحق وإبعادهم عن الضلال، وكان من أجلّ الرسل قدراً وأعظمهم أثراً، خاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، التي جاءت سنته بالحث على العلم وبيان قدر العلماء العالمين حيث قال صلى الله عليه وسلم (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب) ومن هنا أوجب الله سبحانه محبة العلماء يقول صلى الله عليه وسلم (إن من إجلال الله، إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه) فأصبحت الأمة الإسلامية جمعاً يكرمون العلم وأهله، ومن إكرامهم، التأليف في سيرهم وأخلاقهم، فرأينا في الماضي كيف ألف المؤرخون في سير العلماء طوال القرون الماضية، ليس هذا مجال ذكرها وإن من أثبت من يكتب عن علم، هو من يكتب عنه وهو قريب منه إما لقرابة نسبيه أو علاقة شخصية أو قرابة مكانية، هذا إذا أخذ في الاعتبار (حسد الأقران).

وإن ممن أضنى جل وقته في التأليف عن علماء منطقته وقضاتها هو الشيخ عبدالله بن زيد بن مسلَّم آل مسلّم وفقه الله في كتابه عنوان المقال (علماء وقضاة حوطة بني تميم والحريق وقراهما) والأخ عبدالله إمام أحد مساجد مدينة الرياض، وأحسبه والله حسيبه أنه على جانب من الورع ومن تتبع السنة فيما يفعل ويدع. وممن يتحرى العدل فيما يكتب، ثبته الله وزاده توفيقا، لاسيما وهو من أسرة (آل مسلّم) التميمية، من الأسر الكبيرة في (الحلوة) في محافظة حوطة بني تميم واشتهرت بعلمائها الكرام، فقد أخرج كتابه في الجزء الأول من قسمين:

القسم الأول: دراسة ترجم العلماء والقضاة وطلبة العلم المبرزين وآثارهم.

القسم الثاني: وسائل نشر العلم في القرن الثالث عشر الهجري إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري (المكتبات القديمة، النساخ وآثارهم) وجعل الكتاب أربعة أجزاء، صدر الجزء الأول منه بقسميه في بداية هذا العام 1429هـ من نشر (دار التوحيد للنشر في الرياض).

فقدم كتابه بمقدمة عن نبذة مختصرة عن أشهر بلدان وادي الفرع (حوطة بني تميم وقراها، نعام، الحريق) ثم تطرق للحركة العلمية في بلدان وادي الفرع وما جاورها فذكر علماءها واختلاف مذاهبهم الفقهية ما بين القرن العاشر الهجري إلى القرن الثاني عشر الهجري ومن أبرزهم:

أ- الشيخ علي بن محمد بن بسام الحنبلي قاضي الدلم عام 1087هـ.

ب- الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الشافعي له حكم قضاء في الدلم عام 1118هـ.

ج- الشيخ أحمد بن محمد بن عسكر الشافعي ولي قضاء الضبيعة عام 1128هـ وله وثيقة تدل على قضائه في الدلم عام 1171هـ.

د- الشيخ راشد بن محمد بن خنين ولي القضاء في الدلم عام 1162هـ.

هـ- الشيخ أحمد بن عتيق الحنفي قاضي بلد الحريق في القرن الثاني عشر الهجري.

ثم ذكر وجود بعض العلماء والمفتين أمثال:

أ- الشيخ ناصر بن غانم الشثري مفتي ديار فلج اليمامة في القرن الحادي عشر الهجري.

ب- الشيخ حسين بن زيد بن علماء اليمامة والعارض دلت الوثيقة المكتوبة في خامس عشر شعبان سنة ثمانين وألف، على تواجده في السلمية وتملكه لإحدى المزارع فيها.

إلى غير ذلك من الكتاب والنساخ، ثم تطرق لانتشار المذهب الحنفي وانتشاره في بلدان جنوب إقليم اليمامة، ثم تكلم بعد ذلك عن مكانة علماء المنطقة وقضاتها وذلك يظهر جلياً في الرسائل المتبادلة بين مشايخ وادي الفرع مثل رسالة الشيخ الفقيه سعيد بن حجي من أهل الحوطة مع الشيخ أحمد عبدالقادر الحفظي التهامي المتوفي عام 1233هـ وغيرهما من الرسائل ثم عقد بعد ذلك فصلاً في الأوقاف العلمية، كمثل وقف علي بن فواز بن علي التميمي كتاب (حادي الأرواح لابن القيم رحمه الله) وذلك سنة 1282هـ، وبعد ذلك عرض في ثمان عشرة صفحة صوراً من نماذج من خطوط بعض العلماء والنساخ وكتاب الوثائق ومنهم، إبراهيم بن سعيد القويزاني عام 1287هـ، وإبراهيم بن حمد بن سهل الشثري عام 1288هـ وغيرهم كثير.

ثم بدأ بسرد التراجم للعلماء بدأ قسمه الأول من عام 1150هـ إلى عام 1300هـ. وأولهم أحمد بن عتيق الحنفي مذهباً فقد تولى قضاء الحريق بعد منتصف القرن الثاني عشر الهجري، ومنهم الشيخ عيسى بن محمد بن سهل الشثري المتوفي عام 1221هـ وهو شافعي المذهب استقر في الحوطة معلماً وداعياً، وسعيد بن حجي المتوفي عام 1229هـ، وراشد بن هويد المتوفي عام 1229هـ، ورشيد السردي المتوفي عام 1234هـ، والشيخ علي بن عبدالله الجميلي العنزي نسباً والمصري لقباً من بلدة نعام، توفي منتصف القرن الثاني عشر الهجري، والشيخ عبدالله ابن خزام قاضي حائل عام 1250هـ، والشيخ محمد بن جطيل والمولود في الحلوة له خطوط عام 1283هـ، والشيخ محمد بن إبراهيم بن عجلان المطرفي العنزي والمتوفي عام 1293هـ من أهل نعام، والشيخ رشيد بن عوين والمتوفي عام 1297هـ.

وعلى كل حال فقد ذكر أربعة وثلاثين علماً تأكد من أحقيتهم بالوصف كعلماء أو دعاة أو معلمين، معتمداً في سيرهم على أسمائهم ونسبهم والمولد والنشأة، والمشايخ والتلاميذ، والأعمال والآثار، مناقشاً حياتهم بما وجده من كتاباتهم وفتاويهم، مصححاً إما بالمتن أو بالهامش ما ورد من أخطاء إملائية في نصوصهم، ثم ختم في القسم الأول بملحق عن الأعلام الذين لم يترجم لهم بتوسع وذلك لأن المعلومات التي وصل إليها عنهم لم تكتمل فذكرهم باختصار وهم ثمانية وثلاثون علماً منهم على سبيل المثال (جمعان بن ناصر ومحمد بن عبدالله بن غشيان، وحمد بن عبدالله بن حمد بن ثنيان، وزيد بن قعش، وعبدربه بن سعد البراك) وغيرهم.

أما في القسم الثاني من هذا الجزء فقد جعل فيه صوراً لما حصل عليه من وثائق لأولئك الأعلام وهي خمسمائة وست وثمانون وثيقة، تدل بأشكالها على ما وصل إليه أولئك الأعلام من حسن خط وبراعة في المحتوى، كما تبين بالمقارنة بينها إلى تطور في الكتابة من عصر إلى أخر، والوثائق بلا شك دليل قاطع في البحث والتأريخ عند الكتابة عن علم أو بلد، وهي مبعدة لكثير من الأخطاء التي اشتملت عليها كتب التاريخ في عصر مضى خاصة عن الأعلام المترجم لهم، ويا ليت أن إخواننا المحبين للبحث بعدالة وتجرد أن يترسموا في كتاباتهم ما خطّه الشيخ عبدالله بن زيد بن مسلّم آل مسلّم في كتابه هذا، لكان أدعى لقبول كلامهم وأنصف لكتبهم.

وإني بعد قراءة متأنية لهذا الكتاب لأرى في نظري أنه من أحسن ما ألف في هذا المجال، ومرجعاً لمن أراد أن يعرف طريقة البحث في الأعلام، وفق الله المؤلف وزاده تثبيتاً.