Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/04/2008 G Issue 12995
الأحد 21 ربيع الثاني 1429   العدد  12995
السعوديون يديرونها ويُشغّلونها ويُشاركون في استهلاك منتجاتها
خمس مصافي تكرير لتلبية الاحتياج المحلي ودعم الطاقة في العالم

الظهران - «الجزيرة»

تقوم صناعة تكرير النفط في المملكة على عاتق خمس مصافٍ تتحمّل مسؤولية تأمين المشتقّات النفطية للسوق المحلي في المقام الأول، وتحتفظ بمخزون استراتيجي معين ثم تُصدّر الفائض للسوق الدولية. وفضلاً عن ذلك؛ فإنها تزوّد المشاريع الصناعية بالوقود واللقيم الصناعي الذي يدخل في إنتاج الطاقة الكهربائية, وتحلية مياه البحر, وصناعة البتروكيماويات، وتشغيل المصانع المختلفة.

وتتكون شبكة التكريرمن مرافق منتشرة في أرجاء البلاد للتكرير والإمداد والتوزيع. وتبلغ طاقتها الإنتاجية الإجمالية مليوناً و400 ألف برميل في اليوم، محققة بذلك إمدادات متواصلة وذات جودة عالية من المنتجات المكررة.

في طريق الاستهلاك

من المعروف أن الزيت الخام لا يُمكن استخدامه وقوداً مباشرة في المحركات. ولا بدّ له، في طريقه إلى المستهلك النهائي، من سلسلة عمليات صناعية معقدة تحوّل ذلك السائل الأسود الغليظ إلى قائمة طويلة من المنتجات الداخلة في استخدامات كثيرة وصناعات متعددة.

هذه العمليات هي ما يُعرف ب(التكرير) الذي يعود تاريخه إلى عام 1850، حين نجح العالم الكيميائي الانجليزي جيمس يونغ في الحصول على الزيت من الفحم عبر أول عملية فرز في التاريخ، حيث سخّن الفحم إلى درجة معينة في وعاء مغلق.

وقد كانت تجربة الإنجليزي يونغ بدائية جداً، لكنها تجربة رائدة صناعياً، فبعدها بتسع سنوات تقريباً استطاع الأمريكي صموئيل كير أن يبني برج تقطير وينجح في فرز الزيت الخام بطاقة خمسة براميل في اليوم. وهذا الاختراع هو أول مصفاة بترول في العالم توفّر الشروط الصناعية العلمية. وهي أساس لكل مراحل تطوير هذه التقنية إلى يومنا الحالي.

رأس تنّورة

وفي مصافي تكرير الزيت الخام في المملكة تتمّ العمليات الصناعية المعقدة لدعم صناعة النفط السعودية، ويُعد معمل التكرير في رأس تنورة الواقع على ساحل الخليج العربي أكثر المصافي تطوراً في المملكة، بل هو الأكثر إنتاجاً على مستوى منطقة الخليج، إذ تبلغ طاقته 550 ألف برميل في اليوم. كما ينتج هذا المعمل نحو 25 ألف برميل في اليوم من الأسفلت، ويتلقى هذا المعمل الزيت الخام عبر خط أنابيب.

مصفاة رابغ

وعلى الساحل الغربي، وتحديداً على بعد 160 كلم شمال محافظة جدة، تقع مصفاة رابغ التي تُنتج يومياً 400 ألف برميل والمنتجات الرئيسية للمصفاة هي زيت الوقود بنسبة 38.1% ونفتا بنسبة 19.4%، ووقود الطائرات/الكيروسين بنسبة 9.3%. ويستخدم غاز البترول المسال والزيتي كوقود للمصفاة. وتتم تعبئة وشحن الكبريت المستخلص. وتوجد فرضة مع المرافق التابعة لها تتسع لاستقبال الناقلات حتى حمولة صافية تبلغ 000ر325 طن متري.

مصفاة ينبع

وإلى الشمال من رابغ تقع مصفاة ينبع الواقعة على البحر الأحمر، وهي تقوم بمعالجة الزيت الخام بمعدل 235 ألف برميل في اليوم، وتنتج غاز البترول المسال والبنزين ووقود الطائرات وزيت الديزل وزيت الوقود، ويخصص معظم إنتاجها لخدمة السوق المحلية.

وتستقبل المصفاة الزيت الخام العربي من فرضة الزيت الخام في ينبع، حيث يتم تخزينه في خزانات. ومن الخزانات، يُسخن الزيت الخام بواسطة مبدلات الحرارة ويرسل إلى عمود التقطير. ويتم توزيع منتجات المصفاة بواسطة الشاحنات، وخطوط الأنابيب، وأيضًا عن طريق أربع فرض بحرية.

مصفاة جدة

وعلى ساحل البحر الأحمر، أيضا تنتج مصفاة جدة 100 ألف برميل في اليوم، وتتم مناولة ما مجموعه 350 ألف برميل في اليوم من المنتجات الهيدروكربونية في فرضتها البحرية والمنقولة من مصافي المملكة الأخرى, من خلال مرافق مناولة المنتجات التي تتضمن 84 خزانًا بسعة إجمالية تبلغ 8 ملايين برميل. ويمكن أن تصل هذه الكميات إلى 450 ألف برميل في اليوم في مواسم الذروة، رمضان والحج.

وتوضح هذه الإمكانات أهمية المصفاة في تأمين وتوفير الإمدادات الحيوية من الوقود لمنطقة مكة المكرمة، إضافة إلى المستهلكين المحليين مثل مطار الملك عبدالعزيز الدولي، وميناء جدة الإسلامي، ومحطات الطاقة الكهربائية.

وعبر فرضة مصفاة جدة، يتم استقبال المنتجات النهائية والزيت الخام وتصدير منتجات البترول أيضاً، وتتركز مبيعات هذه المصفاة في غاز البترول المسال، والبنزين، والديزل، والأسفلت، إضافة إلى أنها تصدر النفتا.

مصفاة الرياض

أما في المنطقة الوسطى فتكرر مصفاة الرياض، الواقعة في جنوب العاصمة 120 ألف برميل من الزيت الخام في اليوم. ويتم تزويد المصفاة بالزيت الخام من خلال خط الأنابيب شر ق - غرب. وتختلف مصفاة الرياض عن مصفاتي رابغ وينبع في أنها تحتوي على عمود تجزئة يسمح بمعالجة الأجزاء الأثقل من الزيت الخام. وتتضمن المصفاة وحدة تكسير هيدروجيني بطاقة 30 ألف برميل في اليوم تستخدم لتحسين نوعية الأجزاء الأثقل.

وتتضمن المصفاة كذلك وحدة تهذيب بالوسيط الكيميائي بطاقة 30 ألف برميل في اليوم لتطوير النفتا إلى منتجات يمكن مزجها لإنتاج البنزين.

فرز مكوّنات الزيت

تتمّ عمليات التكرير اليومية في هذه المصافي بواسطة التقنيات الحديثة والأيدي السعودية الماهرة. وتُطبّق القواعد العلمية المتقدمة، وإجراءات السلامة لضمان استمرار الإنتاج بموثوقية ودون حوادث أو إصابات. وبما أن الفرز هو أول مرحلة في التكرير؛ فإن ما يحدث، في هذه المرحلة، هو إجراء تقطير تجزيئي للزيت، لفرز الزيت الخام إلى بعض مكوناته. ويعتمد التقطير التجزيئي على مبدأ تبخير المكوّنات المختلفة للزيت عند درجات حرارة مختلفة. فالبنزين -مثلاً- يتبخر عند نحو 50 درجة مئوية، بينما لا تتبخر زيوت الوقود الثقيلة إلا عند درجات غليان أعلى من 400 درجة. ويتم ضخّ الزيت في برج التقطير التجزيئي من المعمل عبر أنابيب داخل فرن ليسخن إلى درجات حرارة قد تبلغ 400 درجة مئوية.

بعد ذلك، يدخل الخليط الناتج والمكونات من غازات وسوائل حارة في أسطوانة فولاذية رأسية تدعى برج أو عمود التجزئة. وأثناء صعود المكونات المبخرة داخل البرج تتكثف عند ارتفاعات مختلفة. فتتكثف زيوت الوقود الثقيلة في القسم السفلي من البرج، بينما تتكثف المكونات الخفيفة كالبنزين والكيروسين في الأقسام الوسطى والعليا. وتتجمع السوائل في أماكن خاصة داخل البرج، ومن ثم تنساب إلى الخارج عبر أنابيب على جوانب البرج. ولا تبرد بعض المنتجات بصورة كافية. لذا تمر عبر قمة برج التجزئة إلى وحدة استرداد الأبخرة.

وبالمقابل، تبقى منتجات أخرى في أسفل البرج، تتبخر عند درجات حرارة أعلى من تلك التي في الفرن. وتسترد هذه البقايا من قاع البرج وتكرر إلى منتجات مثل الأسفلت وزيوت التشحيم.

وليست هذه هي نقطة النهاية، فجميع هذه المكونات المكررة يجب أن تخضع للتحويل والمعالجة الكيميائية قبل استخدامها، من أجل مطابقتها للمواصفات العالمية.

تحويل الثقيل إلى خفيف

وتأتي المرحلة الثانية لتحويل المكونات الثقيلة إلى مكونات أقل كثافة وأكثر فائدة. إذ على الرغم من إمكانية تكرير كل النفط تقريباً إلى منتجات مفيدة إلا أن لبعض المكونات قيمة أكبر من بعضها. ويشكل البترول، الذي يشمل وقود البنزين والديزل والكيروسين وغير ذلك، نصف المنتجات النفطية المستخدمة في معظم البلدان، وهذا الوقود يمثل نحو 50% من المنتجات الخارجة من عمود التجزئة.

أما النصف الآخر المتبقي من عمود التجزئة وهو مكونات قليلة الطلب والقيمة، فيخضع لعمليات كيميائية يتحول بفعلها إلى منتجات أخرى ذات فائدة اقتصادية، وتندرج هذه الطرق تحت مجموعتين رئيسيتين هما: عملية التكسير وعملية الدمج.

ونتيجة لهاتين العمليتين يمكن الحصول على 25% من المنتجات عالية القيمة من النصف المتبقي وبذلك يمكن القول إن كل برميل من الزيت الخام ينتج 75% من المواد عالية القيمة. وتحوّل عمليات التكسير المكونات الثقيلة للزيت الخام إلى منتجات أقل كثافة، مثل البنزين بصورة رئيسة، بعد خروجها من برج التجزئة. ولا تزيد هذه العمليات كمية البنزين الناتج من الزيت فحسب، وإنما تحسن نوعيته أيضاً. فالبنزين الخارج من برج التجزئة المعالَج بعد ذلك بالتكسير يحتوي على عدد (أوكتان) أكبر من البنزين المكتفى بمعالجته في برج التجزئة. وعدد (الأوكتان) هو مقياس لمدى سلاسة احتراق الوقود في المحرك.

من جهة أخرى تخضع الغازات الناتجة عن عملية تقطير الزيت الخام في عمود التجزئة إلى عملية تكثيف وضغط وإضافة بعض المواد الكيميائية إليها، وهو ما يسمى بعملية الدمج التي تُعتبر مرحلة من مراحل التحويل، بهدف إنتاج البوليمرات التي تستخدم في صناعة البلاستيك.

كما يتم من خلال تكثيف تلك الغازات وخلطها بمواد كيميائية محفزة إلى إنتاج أنواع من الوقود عالية (الأوكتان) إضافة إلى العطريات، وهي مواد كيميائية تستخدم في إنتاج المطاط الاصطناعي، وحافظات الطعام، ومنتجات أخرى كثيرة.

إزالة الكبريت

أخيراً تأتي المرحلة الثالثة التي تتضمن معالجة المنتجات كيميائياً قبل إرسالها إلى المستهلكين.

وفي هذه المرحلة تُزال الشوائب التي يُعتبر مركبات الكبريت أكثرها شيوعاً، وهي تلحق الضرر بالمعدات وتلوث الهواء بعد احتراقها. وفي هذه المرحلة أيضاً يتمّ مزج زيوت تشحيم متنوعة للحصول على درجات مختلفة من اللزوجة. ويُمزج البترول بكيميائيات تُدعى المضافات لتساعده على الاحتراق بسلاسة أكثر، كما تعطيه مواصفات خاصة أخرى يراعى فيها المقاييس الدولية.

وبقدر ما تبدو عمليات التكرير واضحة من الناحية النظرية؛ فإنها -في حقيقة الأمر- صناعة متقدمة قطعت فيها المملكة العربية السعودية شوطاً طويلاً، وحققت نجاحات قياسية على مستوى تأمين الاحتياجات المحلية التي تبدأ بسائق السيارة ولا تنتهي عند صاحب المصنع، بل تتخطى ذلك إلى دعم الصناعة السعودية ذاتها، وإنتاج الطاقة الكهربائية، وإمداد الصناعات الأساسية والتحويلية بالمنتجات النفطية التي تمثل مادة أساسية في كثير من صناعاتها.

والأهم من ذلك؛ هو جعل الإنسان السعودي محوراً أساسياً لهذه الصناعة، مشاركاً في الإنتاج، ومستهلكاً للسلعة، ومطوراً لها، ومحميّاً من تقلبات السوق الدولية النفطية.

إلى جانب حماية بيئته من تبعات الصناعات النفطية.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد