يتشكل الوعي الحضاري للأمم والشعوب من خلال تمسكها بمنظومة من البنى الثقافية تتوامض فيها كل الثوابت الأصيلة التي تشكل الهوية، والأصالة، والتاريخ.
إن العقيدة الدينية، والذاكرة التراثية والأعراف والتقاليد، والفنون الشعبية، والأزياء، وإيقاع الماضي كلها صور وأشكال تمثل هوية الوطن، وتمثل الوعي الجمعي الذي ترتكز عليه الشعوب في تقديمها لثقافتها وفكرها وفنونها وآدابها وفي تواصلها مع العالم، وفي طرق معايشتها للحياة.
إنها ثوابت لا تقبل التبدل أو التغير أو الذوبان في الآخر، ولعل هذا ما يحفظ على الشعوب والأوطان هوياتها، وهو ما نراه متجسداً إلى حد بعيد في بلادنا: المملكة العربية السعودية، التي هي مهبط الوحي، وقبلة المسلمين، والتي شرفها الله تعالى بأن احتضنت الرسالة الخاتمة، والدين الخاتم ديننا الإسلامي الحنيف ذلك أن المنظومة الثقافية هي ما تشكل محفزاً لقادة هذه البلاد- حفظهم الله- للتطوير والنهوض عبر الثوابت التي لا تتزعزع، والتي تمثل الذاكرة الحية النابضة لشعبنا السعودي الأصيل.
وللحفاظ على هذه المنظومة في هذا العصر المتقلب المتسارع، واجهت المملكة العربية السعودية كغيرها من الشعوب العربية والإسلامية موجات متتالية من التحديات المتغيرة، التي يفرضها النموذج الغربي تحديداً، والتي تهدف إلى تغيير قيمنا وعاداتنا، ووعينا الجمعي الفكري والثقافي، حيث تتعرض بلادنا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية، إلى ما يشبه الغزو الفكري، ومن هنا كان على المملكة أن تتصدى لهذا الغزو الذي ينعكس بالسلب على قيمنا وثوابتنا وأعرافنا.
ولعل شريحة الشباب هي الشريحة الأكثر تأثراً بهذه القيم السلبية للغزو الفكري خاصة في عصر السماوات المفتوحة، وفي فورة الاتصال التي تصل إلى كل مكان في العالم.
من هنا جاء اهتمام المملكة العربية السعودية بصيانة وتأمين الشباب السعودي من هذا الغزو الذي لا تتوقف موجاته المتتالية، عبر تقديم أنشطة وبرامج تنهض بها الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ويدعمها ويشرف عليها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد ويتابعها بشكل شخصي أولاً بأول.
وإذا كان التطوير الرياضي في المملكة العربية السعودية يتجلى في هذه الخطوات الناجحة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد في هذا المجال، فسموه يأخذ على عاتقه دائماً القيام بهذا التطوير، وضرورة تحققه لمسايرة الركب العالمي في مختلف الألعاب الرياضية، إن فعل التطوير فعل دائم في فكر سموه، وفي عمله الدائم نحو تحقيق الأهداف الرياضية المرجوة.
وقد بدأ التطوير الهيكلي في الرئاسة العامة لرعاية الشباب كما أوضحت من قبل، وأنا أتابع خطوات سموه خطوة خطوة، وكانت لي مقالات عدة في هذا الخصوص.
بيد أن المجال الذي سأتطرق إليه هنا يتمثل في مجال على قدر كبير من الأهمية، هو: (الأمن الفكري) خصوصاً أن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد ينظر إلى الرياضة نظرة شمولية، فإذا كانت الرياضة تتوجه إلى الشباب بالأساس، فإن هذا التوجه هو توجه يأخذ بالمجالات الأخرى المتعلقة بالشباب، فليس الشباب مجرد طاقة إنسانية، أو طاقة آلية فحسب يمكن من خلالها الركض في مضمار الرياضة وفي مختلف الميادين، والألعاب، والأنشطة، لكن الشباب هو طاقة روحية ونفسية أيضاً، بمعنى أن الشباب السعودي الذي يمارس الرياضة على نطاق واسع لابد له من قوة روحية ونفسية تدفعه للأمام، ومن ضمن هذه القوى والطاقات، القوة الفكرية والسيكولوجية المستندة في الأساس إلى طاقة وقوة العقيدة الإسلامية.
إن المقومات الفكرية التي يتأسس عليها شباب المملكة العربية السعودية تتبدى في التزامه بالثوابت الدينية والوطنية، والأمير سلطان بن فهد من كبار المحفزين للشباب الذين يقدمون القدوة، فهو بمثابة أخ أكبر لهم، يؤدي فروضه الدينية بانتظام، ويتمسك بميزان العدالة في الثواب والعقاب، ولذا فهو الأمير المحبوب، أمير الشباب بحق.
وفق هذا النموذج فإن ما يقدمه سموه في مجال الأمن الفكري لا يتأتى بشكل أوامر بل بشكل قدوة، ونموذج، ومثال.
وإذا كانت مقومات الأمن الفكري تتطلب نوعاً من التحصين المعرفي والثقافي والعلمي للشباب، فإن ثمة محددات قام سموه بوضعها للحفاظ على الشباب من أية مغريات أو أهواء قد تعوقهم عن أداء واجباتهم الرياضية، ورسالتهم الوطنية.
لقد ركز سموه أولاً على صحة العقل والفكر، بمعنى أن هذا التركيز يتطلب أولاً سلامة البنية الفكرية للشباب السعودي، فحارب سموه هذه الآفة الخطيرة التي تعاني منها شريحة صغيرة نسبياً، وهي آفة المخدرات، فدعم برامج محاربة المخدرات بشدة، لأن هذه الآفة هي عنوان فساد للعقل، وهي تضر بالشباب كثيراً، خصوصاً حين يتحول تعاطي المخدرات إلى إدمان، ولحظتها سوف يكون العلاج عسيراً أو على الأقل يتسم بالصعوبة.
لكن سموه واجه هذه الآفة بشكل حازم، وصدرت عن الرئاسة العامة لرعاية الشباب كتيبات ومطويات تحذر الشباب من هذه الآفة اللعينة، وبالتعاون مع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية، كان ثمة تعاون كبير تجلى في إقامة الندوات واللقاءات المفتوحة والتوعية الدينية بخطورة هذه الظاهرة، كما تجلى في هذه البرامج الدعائية ضد هذه الظاهرة، فضلاً عن رسائل التحذير والإعلانات التي تنبه من خطورة هذه الظاهرة في المناسبات الرياضية ما حد من تواجدها بين هذه الشريحة الصغيرة من الشباب.
ولقد عبر سموه في مواطن كثيرة عن أخذه قرارات حازمة بخصوص هذه الظاهرة، مما انعكس بدوره على تقليل درجة حضورها إلى درجة تهميشها إلى حد بعيد.
وقد تحدث سمو الأمير سلطان بن فهد عن هذه الظاهرة قائلاً: إن شبابنا الواعي يعلم علم اليقين أن هناك أعداء يتربصون به للفتك به، وديننا الحنيف ينهانا عن المخدرات التي تذهب العقل، وتبعد الشباب عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وأعتقد أن العمل مستمر والحملة الإعلامية مستمرة ومدعومة والإحصائيات تشير إلى نجاح الخطط الموضوعة لمكافحة المخدرات، وقال سموه: الحمد لله فإن كل الجهود الموجهة لهذا الغرض قد كللت بالنجاح بعد تنفيذ أحكام الشرع في مهربي المخدرات ومروجيها، وأصبح شعار (لا للمخدرات) على صدر كل رياضي، وفي كل مناسبة شبابية ورياضية.
وقد اكتسب سموه بوقوفه ضد هذه الآفة محبة كبيرة، وأشاد الإعلام الداخلي والخارجي بجديته وحزمه، فضلاً عن فكرة الواعي السديد الذي حصن الشباب من الوقوع في براثن هذه الآفة.
من هنا فإننا ننادي دائماً بأنه إذا كان العقل السليم في الجسم السليم، فإن الفكر السليم أيضاً في العقل السليم، ومن هنا يتعين علينا أن ننظر لجهد سموه في محاربة هذه الآفة بعين الرضا والتقدير والإجلال.
لقد حمى سموه الشباب، وأمن عليهم في فكرهم وحضورهم فضلاً عن سلامة أبدانهم وعقولهم، ويبرز اهتمام سموه في هذا المجال في إقامة برامج نوعية ثقافية للرياضيين على امتداد مناطق الوطن، وهي برامج تقدم بشكل منتظم طالما سنح الوقت لذلك وتنهض هذه البرامج التوعوية التي تدل الشباب على قيمة الوطن الذي منحهم هويته وثقافته، ومنحهم فضاء الاسم الوطني ليحملوه بكل ثقة واعتزاز وتقدير.
ولعل من أبرز الأعمال التي تندرج في هذا السياق الفكري توعية الشباب بمخاطر الظاهرة الإرهابية، وهي ظاهرة عالمية باتت تؤرق مجتمعات كثيرة، بيد أن وقوف وزارة الداخلية بحزم وبسالة أمام هذه الظاهرة عطل كثيراً من مقوماتها، وأفسد مشروعاتها الرامية إلى تخريب الوطن، وهدم مكتسباته وإنجازاته، لقد أخذت وزارة الداخلية بزمام المبادرة ووجهت ضربات استباقية نوعية لبعض العناصر المارقة، واستطاعت بعون الله أن تقضي تماماً على هذه العناصر الإرهابية وأن تعيد للوطن أمنه وأمانه.
وأخيراً إن الدور الشامل الذي تقوم به الرئاسة العامة لرعاية الشباب التي يقودها بإتقان وإحكام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد، هو دور وطني مشهود، ومن هنا لم تغب عن تفكير سموه مسؤوليات الرئاسة، ودورها في بناء الشباب وتلبية احتياجاته وبنائه الفكري والثقافي، وتقوية مواطن التحصين لديه ضد المخاطر والفكر المنحرف، حيث كان من ضمن توجيهات سموه الكريم تشكيل لجنة لإعداد خطة استراتيجية لتكثيف البرامج التثقيفية والتوعوية التي تقدمها الهيئات الشبابية والرياضية من أندية، وبيوت الشباب، ومراكز مدن رياضية وإذا كان مفهوم الأمن الفكري يتعلق بمفهوم الأمن الوطني بوجه عام، بحيث تتعدد أنماط هذا الأمن فإن التوجيه والمتابعة الدائمة لهذا المفهوم وتحقيقه علمياً خلال الأنشطة الشبابية والرياضية هو الأمر الذي يحرص عليه دائماً.
ولعل هذا الحرص والاهتمام يؤكد على أن شبابنا السعودي في طليعة الشباب العربي المسلم، يقدم النموذج، ويختزن قيم بلاده الدينية والثقافية، ويؤكد على أن الهوية بما فيها من انتماء وإخاء وتسامح هي اللافتة التي يأتلف حولها شبابنا الرياضي في مختلف المحافل العربية والدولية.
وقبل أن أختم لابد أن أقف متصدية للكثيرين من الذين لم يستطيعوا أن يفهموا الأدوار الكبيرة والعظيمة التي تؤديها الرئاسة العامة لرعاية الشباب.
وقد وقف تفكيرهم السطحي أمام ممارسة الألعاب ولم يتعمقوا في فهم الرسالة والأبعاد والأهداف.
maysay777@hotmail.com