تقرير واشنطن - أيمن حسونة
بعد فوز جون سيدني ماكين الثالث السيناتور عن ولاية أريزونا ببطاقة حزبه الجمهوري لخوض الاستحقاق الرئاسي القادم المقرر في نوفمبر المقبل، استقبله الرئيس الأمريكي جورج بوش في البيت البيض وأعلن دعمه الكامل له. وفي حال فوزه بمنصب الرئاسة، سيناهز عمره في يناير 2009 سن الـ72، وبذلك يُعتبر أكبر الرؤساء الأمريكيين سناً، وأكبر بعامين من رونالد ريجان عندما تولى الرئاسة عام 1981م.
الكثير من التحليلات داخل الولايات المتحدة الأمريكية تقلل من فرص فوز ماكين؛ لتقدم سنه، إلا أن ماكين يستعين في أغلب الأحيان بوالدته ذات التسعين ربيعاً في الكثير من خطاباته؛ ليدلل أن تقدم العمر ليس مبرراً لانتقاده، فتروي والدته أنها تعتمد على نفسها في كل شيء ولا تحتاج لمساعدة أحد، في إشارة على أن الحيوية والعمل والنشاط هما معيار التقييم وليس العمر. فضلاً عن أن الكثير من الجمهوريين المحافظين لا يزالون يصفون ماكين بأنه ليبرالي وأن له آراء مختلفة بشأن الهجرة وخفض الضرائب ولا يُعبر عنهم.
النشأة في كنف عائلة عسكرية
ولد ماكين في 29 أغسطس عام 1936م لأسرة عسكرية، فجده قاد أسطول الحاملات ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية.
ووالده كان قائداً لغواصة من الطراز الأول في الحرب العالمية الثانية، وقائد قوات الهادئ في حرب فيتنام.
كان لتلك الخلفية العسكرية جل التأثير عليه، فماكين طيار سابق بالبحرية الأمريكية، وأستاذ بكلياتها. لكنه رفض الاستمرار في التدريس وفضل المشاركة في حرب فيتنام، وتعرض خلال تلك الحرب لأكثر من مخاطرة كادت تودي بحياته بعد أن تم أسره لمدة خمس سنوات ونصف، قضي منهم عامين في الحبس الانفرادي. وابن ماكين جندي ضمن القوات الأمريكية في العراق. ولطالما دافع سناتور أريزونا عن الحرب في العراق، رغم انتقاده طريقة إدارتها.
فقد عارض بشكل مباشر وزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد، وطالب باستقالته ويقول ساخرا (على الجيش الأمريكي أن يبقى في العراق 100 عام إذا اقتضى الأمر).
خدمة عسكرية محفوفة بالمخاطر
كانت حياة ماكين العسكرية حاملة باللحظات الخطيرة، فقد تعرض للموت عدة مرات، منها خلال تواجده في قاعدة فورستيل الأمريكية بخليج تونكين فبينما كان طاقم البحرية يستعد لشن عدداً من الهجمات أُطلق صاروخ من طراز زوني من طائرة فانتوم عن طريق الخطأ الذي اصطدم بطائرته بينما كانت تستعد للإنطاق، وقد أدي ذلك إلى تدمير مخزن الوقود بالطائرة مما أدى إلى إسقاط الطائرة لقنبلتين، غير أن ماكين تمكن من الهروب من الطائرة.
وبعد 90 ثانية انفجرت إحدى القنبلتين تحت الطائرة مما أدى إلى إصابة ماكين في قدمه وصدره واشتعال النيران لتقضي على 132 جنديا من المارينز وإصابة 62 آخرين وتدمر ما لا يقل عن 20 طائرة.
وبعد يومين من الحادث قال ماكين لصحيفة نيويورك تايمز (من الصعب أن أروي ما حدث ولكني الآن وقد رأيت الدمار الذي أحدثته القنبلة فإنني لست متأكداً من أنني أريد أن أسقط تلك القنابل على فيتنام الشمالية).
ويقول في مذكراته التي تحمل عنوان (إيمان آبائي) عن أحد المواقف التي تعرض لها خلال مهمته الـ23 في شمال فيتنام في 26 أكتوبر 1967م، عندما كان يحلق وسط نيران مدفعية كثيفة فوق هانوي، وهو على وشك إلقاء قنبلة على أحد الأهداف، سمع إشارة بأن صاروخاً أطلقته القوات الفيتنامية الشمالية سيصطدم بطائرته: إنه كان يجدر به أن ينطلق مسرعاً لتفادي الصاروخ، لكنه انطلق مباشرة، مدفوعاً بعناده أو بنوع جنوني من الشجاعة، وضغط على زر القنبلة في الوقت الذي نسف فيه الصاروخ الجناح الأيمن من الطائرة وبسبب قوة القذف من طائرته المترنحة، كسرت ساقه اليمنى وذراعاه).
وبعد أن هبط بالمظلة في بحيرة وسط هانوي، حطم أحد عناصر الحرس الفيتنامي الشمالي كتفه بعقب بندقية وطعن كاحله وفخذه بحربة.
وعلى الرغم من أن إصابته كانت شديدة إلا أن الفيتناميين رفضوا معالجته حتى يعطيهم معلومات عسكرية، وتعرض لتعذيب شديد من قبل الحرس الفيتنامي، لعدم إعطائهم إلا اسمه ورقمه وتاريخ ميلاده ورتبته.
وبعد أن علموا أنه ابن قائد العمليات العسكرية الأمريكية ضدهم، تعرض للضرب المستمر من الحراس في محاولة منهم لجعله ينهار.
وجراء شدة التعذيب الذي أوصله إلى اليأس، حاول ماكين الانتحار، حيث صعد على سلة المهملات في زنزانته وحاول أن يشنق نفسه بربط قميصه بمصراع النافذة ولفه حول عنقه.
وقبل أن يركل السلة، أوقفه الحراس. ولكنه عاد مرة أخرى وحاول الانتحار ولكن بطريقة أقل حماسة.
وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات باريس للسلام في 27 يناير 1973م لتنهي الحرب الأمريكية في فيتنام، أخذت عملية عودة الأسرى وقتاً طويلاً وأطلق سراحه من الأسر في 15 مارس من نفس العام.
حياة زوجية متذبذبة
اتسمت حياة ماكين الزوجية بالتذبذب، فقد تعددت حالات الارتباط والطلاق، ففي عام 1964م كان ماكين على علاقة مع عارضة أزياء من فلادليفيا تُدعى كارول شيب وكان كلاهما قد عرف الآخر في أنابوليس، لكنها تزوجت من أحد زملائه ثم تطلقت منه وتزوجها في 3 يوليو عام 1965م وتبنى ابنيها الاثنين دوج وإندي ثم رزق ماكين وكارول بطفلة أسماها سيندي في سبتمبر 1966م.
لكن لم يصمد زواجه الأول أمام الشعور بالغربة والإجهاد اللذين ظهرا عليه عند عودته من الأسر فعاش ماكين مع زوجته وأولاده رغم انفصاله عن زوجته.
وفي 1979م وخلال حفل استقبال له في هاواي قابل سيندي لوي وريثة شركة للجعة وتزوجها في 17 مايو عام 1980م. وحالياً هو أب لسبعة أولاد ثلاثة منهم بالتبني.
حرب الشائعات
في الانتخابات الرئاسية التمهيدية عام 2000م شن مجموعة من الجمهوريين الذين أرادوا وقفه عن حملته للتفرغ لدعم الرئيس بوش حملة شائعات ضده. فقد شاعوا أن الجنون أصابه لأنه أمضى فترة غير قليلة في الأسر تعرض خلالها للتعذيب، وذلك بسبب غضبه السريع. ورداً على تلك الشائعات عرضت حملة ماكين الانتخابية وقتها على الملأ سجلاته الطبية التي أظهرت أنه أصيب بتضخم البروستاتا، وأنه كان يجد صعوبة في رفع ذراعيه اللذين تعرضا مراراً للكسر خلال الأسر، لكن مجموعة من الأطباء النفسيين في البحرية الأمريكية الذين أخضعوه للفحوص طوال سنوات بعد الإفراج عنه، اعتبروا أن عقله سليم جداً.
وسبق لماكين أن فاز عام 2000م بالانتخابات التمهيدية في نيوهامشير قبل أن يخسر بعد ذلك أمام جورج بوش خلال الانتخابات التمهيدية في كارولينا الجنوبية، وينسحب من السباق.
بوش يرد الجميل
ورداً للجميل أعلن بوش تأييده لماكين قبل نهاية السباق الجمهوري على بطاقة الحزب لانتخابات الرئاسية ووصفه بأنه (محافظ حقيقي)، وقال عنه (إنه صلب جداً في موضوعات الدفاع الوطني، ومتشدد في مجال الضرائب، ومقتنع بأن خفض الضرائب يجب أن يتواصل، وهو معارض للإجهاض).
وفي انتخابات 2004م عرض جون كيري المنافس الديمقراطي لبوش في انتخابات الرئاسة على ماكين، الذي يُعد من أشهر الساسة الأمريكيين وأكثرهم نفوذاً، أن يكون مرشحه لمنصب نائب الرئيس بسبب ما اكتسبه من احترام الكثير من الديمقراطيين والمستقلين في مواجهة جورج بوش وديك تشيني، لكن ماكين رفض عرض كيري، وأعلن دعمه الكامل لبوش؛ مما دفع كيري للتحول إلى جون إدواردز الذي انسحب من السباق الرئاسي مؤخراً بسبب النتائج المتواضعة التي حققها.
ماكين يفقد تأييد المحافظين
على الرغم من تأييده الثابت لسياسة الرئيس الحالي جورج بوش بشأن العراق ولاسيما إستراتيجية إرسال تعزيزات عسكرية إلى هذا البلد التي بدأ تنفيذها في يناير 2007م، ومواقفه المحافظة في الموضوعات الاجتماعية كالإجهاض وزواج الشواذ جنسياً، إلا أن ماكين لا يحظى بتأييد الجناح الأكثر تطرفاً بين محافظي حزبه. فتأخذ عليه القاعدة الجمهورية، ولاسيما الإنجيليين ومراقبين محافظين نافذين هذا (الابتعاد) عن خط الحزب. ومع إعلان جيمس دوبسون مؤسس جماعة التركيز على العائلة المحافظة أنه لن ينتخب ماكين، يقول محللون إن إقبال الإنجيليين على التصويت أو عدم إقبالهم سيكون حاسماً في انتخابات الرابع من نوفمبر المقبل.. فينظر على نطاق واسع إلى أن تصويت الطائفة الإنجيلية لجورج بوش كان العامل الحاسم في انتخابه مرتين للبيت الأبيض.