الذي يعتقد أن في مقدورنا مواجهة أعدائنا بالسيف والخنجر، أو بالتفجير والتدمير، أو بالعنف وإراقة الدماء، فهو يعيش في زمن لا علاقة له بالعصر. هذه حقيقة أثبتها تاريخنا القريب، ولا يزال يثبتها.
وإذا كان الجهاد في الأيام الغابرة بالسيف والسنان، فإنه اليوم أصبح بالكلمة والإعلام.
من يعتقد أن وسائل وأدوات الجهاد اليوم هي تماماً كما كانت في الأمس، فهو يعيش في زمن لا علاقة له بزماننا. كثير من الصحويين، وبالذات السذج منهم، ما زالوا لم يستوعبوا المتغيرات التي طرأت والتي غيرت معنى الصراع بين الأمم، وما يتعلق بهذا الصراع من مفاهيم.
هذه حقيقة تبادرت إلى ذهني بعد أن قرأت خبراً واعياً ومتحضراً بكل المقاييس، زفه إلينا الشيخ أحمد بن الشيخ عبدالعزيز بن باز الأسبوع الماضي، ومفاده: (إن من المتوقع إطلاق موقع سعودي متخصص بعدة لغات أجنبية، بما فيها العبرية، لنشر أبحاث تكشف تطرف المناهج الإسرائيلية؛ في خطوة لمجابهة المزاعم التي عمدت لتشويه صورة العرب والمسلمين في تلك المناهج). وأضاف الشيخ أحمد لصحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية الجمعة 18-4-2008: (نحن كعرب ومسلمين لدينا قضية عادلة وحقيقية، ولكننا لم نستطع إيصالها للرأي العام بشكل واضح وشفاف)، مشيراً إلى أن الموقع (يعتمد على حقائق، وسرد كافة النصوص المتطرفة في المناهج الإسرائيلية).
وفي تقديري أن هذا الموقع سيكون له أثر في غاية الإيجابية في معركتنا مع التطرف الإسرائيلي، ونأمل أن يكون هذا الموقع الواعد أول الغيث.
الإسرائيليون وظفوا المتغيرات والوسائل العصية لمصلحتهم، ولخدمة قضاياهم، ومن خلال الإعلام ظهروا بشكل متطور وحضاري، وفي المقابل، وبسبب الجهل والسذاجة، أظهر المتطرفون المسلمون، ودعاة القتل والدم والتفجير، ديننا - للأسف الشديد- بأنه دين العنف والحقد والكراهية.
الذي يجب أن ندركه ونعيه أن الصراع اليوم يختلف عن ذي قبل، والأسلحة -أيضاً- اختلفت اختلافاً جذرياً؛ فما كان صالحاً للصراع في الماضي لم يعد صالحاً اليوم. فسلاح الكلمة والصورة وكذلك الدراما أمضى وأنفع وأقدر على الاختراق والتأثير. وهو بلغة اليوم، وحسب مزاج العصر وأعرافه، وفي ظل حرية الكلمة، وكراهية الناس للعنف، يبقى الوسيلة الأفضل والأقوى والأمضى والأبقى.
ولك أن تتصور لو أننا سخرنا ما يصرف على العنف من قبل المتطرفين ومن يمولهم، وكذلك ما تصرفه الحكومات لمجابهة العنف والتطرف، في وسائل متحضرة ومشروعة لخدمة الإسلام، ومقارعة أعدائه بالحجة والحوار، ماذا سيكون مردود ذلك على الدعوة؟ نحن لدينا الحجة، ولدينا تاريخ مشرق من التسامح والرحمة والنور لا يمكن أن يجادل فيه وفي نصاعة بياضه إلا مغالط، فلماذا لا نوظف ذلك توظيفاً عصرياً وسلمياً وحضارياً لخدمة واقعنا المعاصر، بدل هذا الإصرار غير المبرر على استحضار الماضي بوسائله وطرقه وأساليبه، وفرضه بالقوة على الحاضر، وكأن العالم لم يتغير.
إنني أشد على يد الشيخ أحمد، وكل أملي أن تكون هذه الخطوة إيذاناً بعصر نحيّد فيه العنف، وندعوا للإسلام على بصيرة حسب متطلبات ومزاج العصر.