ومن العناصر الرئيسة في تأخر التعليم (البيئة المدرسية)، باعتبارها محضناً تربوياً يأوي إليه الطلاب يومياً، ويقضون فيه أفضل أوقات يومهم، وكلما كانت هذه البيئة ممتعة مشوقة جذابة غنية بمثيراتها ومستلزماتها التعليمية، كانت انعكاساتها إيجابية على انجذاب الطلاب للمدارس وحبهم لها، يشتاقون إليها شوقاً عارماً متجدداً، يقبلون إليها يومياً بكل حيوية وبشر، لأنهم يجدون فيها ما يثري خبراتهم، ويلبي حاجاتهم، العقلية والنفسية والبدنية.
ولكن ما مدى جاذبية مدارسنا؟ وهل يتوافر فيها ما يعد من الضرورات التربوية والتعليمية؟ الجواب معلوم لدى كل من زار مدرسة لمتابعة أبنائه، والعجب كل العجب أن القيم الإنشائية لبناء هذه المدارس عالية، ومع هذا، لا يتوافر فيها ملاعب، لا أقول: ملاعب مزروعة، فذاك حلم سوف يطول انتظاره، ولا ملاعب سلة أو طائرة أو مسابح، فهذه الملاعب ليست في قائمة الحلم أصلاً، كل ما هو مطلوب، تسوية للأرض الفضاء، وإزالة الأحجار والمعوقات الأخرى التي تؤذي الطلاب أثناء اللعب على الأرض الترابية، كذلك لا تتوافر في المدرسة مظلة تقي الطلاب من حرّ الشمس ولهيبها، وبرد الشتاء القارس وزمهريره.
المختبرات والمعامل في المباني الجديدة مجرد صناديق فارغة، سوى من بنشات - أحياناً - والسبب أن أمر تجهيز المختبرات تتجاذبه رؤيتان، فهناك من المختصين من يرى - وهم الأغلب - تمكين الطلاب من إجراء التجارب حيَّة، وهناك قلة ترى إمكان أن يكون التجريب إفتراضياً فيما يسمى (المختبرات المحوسبة)، وحتى يبت في أي الرؤيتين أصوب وأصلح، أجل تأثيث مختبرات المدارس الجديدة، ولا شك أن الرؤية الأولى هي الأصلح والأصوب.
وما زالت التصاميم الهندسية للمدارس مجرد تصاميم كربونية تستنسخ من عشرات السنين دون تطوير أو تجديد، حتى المباني سابقة الصنع التي طرحت مؤخراً، لا تختلف عن سابقتها إلا في زيادة كلفتها المالية، ومحدودية المقاولين الذين يتعاملون فيها، مما أدى إلى ارتفاع كلفة بنائها، ولقد تنبهت وزارة المالية لذلك وأوقفتها مشكورة، كل هذه المباني مجرد صناديق إسمنتية فارغة من المثيرات والمرغبات التربوية والتعليمية، ويا ليت هذه الصناديق محكمة، بل هي مفتوحة للسموم والغبار والشمس والمطر، وكل ما يعوق الاستفادة الحقة منها بصفتها بيئة تربوية تعليمية.
أما المقاصف فبدأت تتحسن شكلاً ومضموناً في بعض المدارس التي أوكل أمر تشغيل مقاصفها إلى مؤسسات متخصصة في التغذية المدرسية.
هذه المكونات الرئيسة والمهمة في كل بيئة مدرسية تعد من الضرورات التربوية التي تكمل منظومة العملية التعليمية في المدرسة، ولا يمكن تصور مدرسة تعنى بتربية العقول فقط، وتهمل تربية الأبدان والأجسام، لما بينهما من ترابط وتكامل، وتأثير وتأثر، لكن هذا هو واقع الحال في جل المدارس إن لم يكن كلها، فصول دراسية يتنقل الطلاب بينها خلال برنامجهم الدراسي اليومي الذي يتراوح بين ست حصص إلى سبع، وساحات جرداء لا تتوافر فيها أدنى الإمكانات والمستلزمات الضرورية لممارسة الرياضة البدنية، ولهذا انعكاساته على نفسيات الطلاب وشوقهم إلى المدارس، وبالتالي له تأثيره على تحصيلهم العلمي.
لذا يجب أن تعطى البيئة المدرسية عناية وأولوية، بأن توفر فيها المرافق التربوية اللازمة، من منشآت رياضية وترويحية، وتجهيزها بالمستلزمات التعليمية الضرورية التي تحقق الفائدة منها، عدا هذا، علينا أن ننتظر المزيد من الضعف في دلالات الكفاءة الداخلية لمؤسسات التربية والتعليم الأولى (المدرسة) لأنها تفتقر إلى ما يمكنها من الإسهام الإيجابي والمتكامل في بناء شخصيات الطلاب وفق غايات التعليم وأهدافه.