هي دروب السفر حين يكون السفر مطية الهدف...
لا سفر تهدر فيه الأحلام أو تحلق به الأوهام...
فالشاعر العربي قديما أوصى به لفوائده الخمس...
يومها لم يكن في خاطري أن أتوقف عند عدد الفوائد لأن مطية مداركي لم تكن تتسع لها انتباهاتي...
أما الذي أوصى بالسفر مآلا للعوض... فقد قارن بين وقوف الماء وجريانه...
ففي نصب السفر عوضا عمن نفارق إن طال طاب كما يطيب الماء الجاري...
هي دروب السفر حين يكون السفر مرآة قبل المغادرة وبعد الإياب...
مع حقائبه تلملم الكلمات الواردة إليك, وتحصد المشاعر المحلقة من حولك... وتنكشف لك جوانح الغيب عمن يفعل ولا يقول...
دمعة أو ابتسامة فالسفر مرجل يخض بواعثهما...
هي دروب السفر حين حصاده في الاتجاهات كلها... والمكاسب محسوبة في الرصيد المرتد...
حكايات اندست في جعبتي منذ أول لحظة تشبثت فيها بعباءة أمي وتمسكت فيها بياقة أبي
وأزيز الطائرة ينبئ بالمغادرة أو الإياب...
صندوق تتكتل فيه كل كيانات الإنسان وأضحك كثيرا لمنجز قدر على صانعه ولم يقدر عليه...
منتهى ضعف الإنسان ومنتهى قوته...
ذلك الجسد المعدني الأحوط بجسد الإنسان يقظا تسري فيه الروح كما لا تفعل الآلة الحدباء به وهو نائم لا حياة فيه...
صندوق آخر يعبأ في الماء على سعة مراميه يحمل الإنسان في أفلاكه لا يسطو على الماء...
حكايات السفر حين يكون من الأرض جزء مأهول بحاجات الإنسان...
حكايات طويلة لا تكفي لها ليال ولا تستوعبها أيام...
دروب السفر قناديل ذهن لا تطفئها ريح الذاكرة ولا تلتهمها تياراتها...
حيث ملقط من ضوء يجتز كل ثنية في فك الأيام ليمضغ بها لحظة في سجل الرحيل...
دروب السفر عناوين للذي يجهل الإنسان.. وأدلة لمن يرغب في معرفته...
في مجلس ومركبة.. في مصحة ومقهى... فوق مقعد جلدي أو خشبي أو معدني... أو داخل حجرة زجاجية أو عند مفرق طوبي أو ترابي...
دروب السفر كتاب طويلة سطوره... كثيرة صفحاته...
ربما أصابع الزمن حين تعد حروفه تنظمها عقدا من حكمة وتحيكها نسيجا من أفكار...
لي حكايات كثيرة مع دروبه...
ستأتي مع ما هو آت...
(يتبع)