أستغرب من بعض المديرين الذين ما زالوا لم يمارسوا الحد الأدنى من مسؤولياتهم، حيث من المفترض أن يُمارس المدير وظائفه في توجيه جهود الموظفين لإنجاز الأهداف من خلال التخطيط لما سيتم إنجازه وكيفيته؟ والتنظيم لتحديد من سيقوم بالعمل ومن سيراجعه؟ والتوظيف لتحديد الاحتياجات البشرية اللازمة لحاجة الإدارة واختيارها وتعيينها، وتدريبها، وتوجيه الموظفين وتحفيزهم لرفع مستوى أدائهم لأعمالهم، والرقابة.. وهي الأنشطة المتعلقة بالتأكد من أن ما يتم الآن من أعمال هل هي المطلوبة في الخطة؟! إن واقع حال الكثير من المديرين يختلف كثيراً عن ما هو مفترض أن يحدث، فما زال الكثير ممن يشغلون الوظائف الإشرافية يمارسون وظائف تنفيذية بحتة، ما عدا تواجدهم الجسدي في اللجان والاجتماعات السنوية مع المسؤولين في الجهات التي يعملون بها، فالكثير منهم ما زالوا يمارسون الكثير من الأعمال التي من المفترض أن يقوم بها موظف في بداية حياته الوظيفية!! وفي اعتقادي أن هذا يرجع إلى عدة أسباب من أبرزها:
- إن المهام التي يُمكن أن تُوكل للموظف قد تتضمن بعض الجوانب المرتبطة بالوقت، فخوفاً من المشرف أن تتأخر بعض الأعمال الموكلة لإدارته وتعرضه للمساءلة من الإدارة العليا فإنه يقوم بأدائها بنفسه، ولا يثق بالآخرين للقيام بها لأنه - وحسب مواقف سابقة - هو الذي سيتعرض للمساءلة من المسؤول وليس الموظف.
- بعض المديرين لا يفوّض بعض الاختصاصات التي كان يمارسها عندما كان موظفاً تنفيذياً إلى أحد، فيعمد إلى الاحتفاظ بها لنفسه بدلاً من غيره لأنه - حسب اعتقاده - أكثر القادرين على القيام بها وتطويرها لمعرفته بكافة تفاصيلها.
- بعض المشرفين عندما يمر العمل بمرحلة تطويرية يعتقد أن إنجاز مهمة التطوير لأي عمل لا بد أن تمر من خلال المشرف نفسه، فيتفاجأ بعد مضي عدة أشهر أنه ما زال يقوم بنفس العمل ويمارس نفس المهام بحجة التطوير، وقد يرى كل الإجراءات السابقة التي تمَّت على العمل كانت اجتهادات لم تصل إلى مرحلة النضوج.
- يزداد الاعتقاد لدى بعض المديرين من أن وقت الموظف مُلك له يستطيع أن يكلفه فيه بالمهام حتى لو كان ذلك خارج وقت الدوام الرسمي، التي يكون فها الموظف مع أسرته، أو ينجز بعض أعماله الاجتماعية، أو الخاصة.
- بعض المشرفين لا يحاول أن يفوّض بعض صلاحياته لمعاونيه وبخاصة المرتبطة بالتعامل مع المسؤولين مباشرة، أو حتى الأعمال التي تجعهلم على علاقة بأكبر قدر من الإدارات والمسؤولين، فتراه يختار أقل الكفاءات لديه ليفوّضه بهذه الأعمال، كما قد يعمد إلى تكليف أقل المختصين لديه خبرة ودراية ومهارة إدارية بالإدارة عند تمتعه بالإجازة السنوية، ولا يكون للمختص المتميز الفرصة في التكليف إلا عندما تتوافق إجازة المدير مع إجازة المسؤولين في الجهاز الذي يعمل فيه!!
إن المشرف المتمكن والخبير هو الذي يقوم بوظائفه الإدارية حتى يتطور العمل، ويفوّض جزءاً من المهام الموكلة للعاملين معه حتى يجد الوقت الكافي لإنجاز الهام من الأعمال، والمدير الذي يفوّض أعماله للآخرين يجدد الثقة بهم، وبقدراتهم، وإمكاناتهم، حتى يجد الوقت الكافي لينجز فيها الأعمال الأخرى (غير التنفيذية)، فالمدير الذي تزيد مسؤولياته وأعماله نتيجة نشاط الإدارة يعمد إلى التفويض الذي يساعد الموظفين على تنمية مهاراتهم واكتساب مهارات ومعارف جديدة، والخروج من منطقة السكون، والإحباط، والتبلُّد، وهو بذلك يعفي نفسه من النظر في الإجراءات الشكلية ذات الطابع البسيط التي يستطيع القيام بها أي موظف، ويوفر الوقت للاتجاه لما هو أهم، إضافة إلى أن إشراك العاملين في بعض الصلاحيات سيُنمي فيهم روح المبادأة والمشاركة في اتخاذ القرار في حدود الصلاحية المفوضة، وسيريحون المدير من العديد من الأعمال الشكلية التي ترهق دماغه، وجسده ومكتبه ومراجعيه.
