رصد ومتابعة - بندر الايداء
تحدث الضيوف في الجزء الأول أمس عن الأوضاع الراهنة التي يعيشها الاقتصاد الأمريكي وتطرقوا للسياسات النقدية الأمريكية التي تعاطت مع ذلك الواقع وفي استعراضهم لمجمل الأحداث الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي ابتداء من أزمة الرهن العقاري إلى العجز في ميزان المدفوعات التجارية توقعوا بدخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة كساد مستبقين بذلك بيانات المؤشرات الاقتصادية الأمريكية التي قد تصدر في غضون الأيام القلائل المقبله حاملة الحكم الأخير على بداية مرحلة الكساد من عدمه.
وفي هذا الجزء يتحدث الضيوف عن انعكاسات السياسات النقدية الأمريكية المتبعة (والتي كان خفض الفائده على الدولار لست مرات في طليعتها) على اقتصاديات الدول الخليجية التي تربط عملاتها بالدولار الأمريكي، واصفين الفترة الراهنة لاقتصاديات دول الخليج بالحرجة كونها تواجه مزيداً من الضغوط بسبب ارتفاع معدلات التضخم في ظل طفرة اقتصادية كبري أحدثتها الفوائض المالية الضخمة بسبب ارتفاع أسعار النفط الذي تجاوز حاجز الـ110 دولارات للبرميل في بعض الأحيان.
وفي حلقة اليوم تبحر (الجزيرة) من خلال ضيوفها في أبعاد تأثيرات تلك الظروف على الأسواق المالية الخليجية ومعدلات التضخم فيها وإلى أي مدى ستتأثر جاذبية الاستثمارات الأجنبية في المنطقة في ظل الوضع الراهن وتوقع الضيوف حدوث المزيد من التضخم على المدى القريب نتيجة ارتفاعات معدلات السيولة وكيفية التعامل مع هذا الواقع والذي يتطلب قرارات وإجراءات (محكمة) وجريئة في نفس الوقت.
وقالوا إن الحلول تتمثل في التشديد على ضرورة تبني سياسات مالية ونقدية أكثر استقلالية عن سابقاتها في إشارة إلى إعادة تقييم سعر العملات المحلية أمام الدولار الأمريكي كابرز تلك الحلول، واستبعد اقتصاديون جدوى فك العملات المحلية بالدولار في الوقت الراهن واصفين الوضع الاقتصادي في المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص بعدم الجاهزية للبت في مثل هذا الإجراء نظراً للعواقب والنتائج السلبية المتوقعة التي ستتكبدها قطاعات الاقتصاد المحلي على المدى القريب نظراً لارتباطها المباشر أو غير المباشر بالدولار الأمريكي في تعاملاتها حالياً.
يرى المحلل المالي عبدالحميد العمري بأن السلطات النقدية الخليجية بصفتها المسؤولة عن رسم وتنفيذ السياسة النقدية تواجه تحدياً صعباً ومعقداً، ويتمثل ذلك التحدّي في ضرورة الموازنة بين مخاطر ارتفاع التضخم من جهة، واحتمالات تباطؤ النشاط الاقتصادي من جهة أخرى.
وقال: وفقاً للصورة الراهنة المرتبطة حالتها وحقيقتها (المتناقضة) بين أوضاع الدولار واقتصاده المتراجع من جهة، ومن جهةٍ أخرى ارتفاع مستوى أنشطة الاقتصادات الخليجية، الذي زامنه ارتفاعاً مطرداً في مستويات السيولة المحلية، ومستوى معدلات التضخم، حفّزه التراجع المستمر في معدلات الفائدة انقياداً لتراجع تكلفة الدولار الأمريكي وأضاف: أننا نتجه فعلاً إلى مناطق أعلى من التضخم! ما قد سنرى امتداداته في نهاية المطاف إلى انتقاله بسرعةٍ مفاجئة نحو تضخيم كل من القطاع العقاري وأسعار الأصول في أسواق المال الخليجية، ولعل تضخم الأسعار في القطاع الأول قد بدأ فعلاً منذ فترة، فيما بدأنا نشاهده فعلاً في كل من بورصتي الكويت وعمان، ولا أظن سوقنا المالية وبقية الأسواق الخليجية ببعيدة عما طرأ على البورصتين السابقتين.
وهنا يقول المحلل الاقتصادي فضل البوعينين: أي خفض في أسعار الفائدة الأمريكية في المستقبل قد تفرزه تداعيات التباطؤ الاقتصادي الأمريكي سيؤدي إلى زيادة الضغط على سياسات دول الخليج النقدية التي تعاني من ارتفاع في معدلات التضخم ما يعني احتياجها لرفع أسعار الفائدة وليس العكس. ولكن وبحكم ارتباط عملات دول الخليج بالدولار الأمريكي فإن تلك الدول مضطرة لمسايرة السياسة النقدية الفيدرالية وبالتالي خفضها لأسعار الفائدة وهو ما يزيد من معاناة عملاتها، واقتصاداته ا أيضاً.
وحول أثره على التضخم أشار البوعينين إلى أن أي خفض في أسعار الفائدة يعني مزيداً من التضخم من جهة، وبعداً عن علاج أزمة التضخم الحالية بالتخلي عن أهم أدوات السياسة النقدية.
وعن تأثر الاستثمارات الأجنبية أوضح البوعينين أن ارتفاع معدلات التضخم، ونموها الحاد في فترة زمنية قصيرة عادة ما يكون طارداً للاستثمارات الأجنبية. في الوقت الذي يمكن أن يكون فيه الاستقرار الاقتصادي، وثبات معدلات التضخم ضمن الإطار العالمي المقبول، إضافة إلى تحقيق معدلات نمو منضبطة من أسباب جذب الاستثمارات الأجنبية.
ويضيف الاقتصادي الدكتور فهد بن جمعة: لقد خفضت دول الخليج المرتبطة عملاتها بالدولار بنفس النسبة الفدرالية وهذا بالطبع سيفاقم معدلات التضخم التي ما زالت مرتفعه مما ينعكس سلبياً على القوة الشرائية لعملاتها على حساب المستهلكين المحليين. وبالتالي زيادة الحماس والجدل حول رفع قيمة عملاتها على الأقل أو بمعنى أوسع تعويمها.
وحول الأثر المحتمل في المستقبل على معدلات التضخم أوضح بن جمعة إن خفض الفائدة على الودائع مع ارتفاع معدل التضخم يجعل العائد على تلك الودائع (الادخار) سلبياً بنسبة كبيرة تدفعها إلى سحب تلك الودائع بكمية أكبر واستثمارها في سوق الأسهم ذي العائد المتحرك أو في العقار أو الذهب. هنا تصبح السياسة محفزة على زيادة السيولة وليس على الادخار.