ليس ثمة أمر أوضح للعيان من الإرادة السياسية المشبعة بالرغبة الاجتماعية الواسعة لإصلاح أسواق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي.
غير أن ما يثير الغرابة، هو هذا الجمود في استجابة أسواق العمل لهذه الإرادة وكأن هذه الإرادة المعززة بالعديد من السياسات الرامية إلى تحسين أسواق العمل لم تصب الهدف أو جزء منه. فمعدلات البطالة تتفاقم تقريباً بالرغم من النمو الاقتصادي المتزايد، ومعدلات المشاركة في سوق العمل ما زالت متدنية بكل المعايير الدولية، إضافة إلى نواحي الضعف الأخرى التي تعاني منها أسواق العمل كتدني الإنتاجية وغيرها.
وعلى سبيل المثال، قامت سياسات توطين الوظائف على أساس تحويل المعروض من الوظائف الجديدة أو المشغولة بالوافدين لصالح المواطنين الباحثين عن العمل.
غير أن معدل البطالة المتنامي في الأسواق الخليجية والتشوهات الأخرى، تؤكد أحد أمرين، فإما أن هذه السياسات غير كافية أو أنها سياسات غير فعالة.
والأمر يندرج على السياسات الأخرى.
بالرغم من أن إشكالية فعالية تنفيذ السياسات هو ما قد يدور في أذهان البعض كسبب لتفاقم إشكاليات أسواق العمل الخليجية (وهو أمر وارد)، إلا أن وصفها بأنها سياسات غير كافية (أو غير مكتملة الملامح) ربما يكون هو الوصف الأدق.
إن أسواق العمل الخليجية بحاجة إلى سياسات أكثر شمولية تستهدف جميع متغيرات أسواق العمل وليس البطالة فقط.
فمتغيرات سوق العمل بطبيعتها المترابطة قد تكون جميعها أسباباً لاختلال واحد.
فتدني معدلات المشاركة والإنتاجية، وتهالك المحتوى المعرفي لخريجي منظومة التعليم والتدريب قد تكون هي السبب الحقيقي خلف ارتفاع معدلات البطالة، وليس السبب الوحيد هو فتح أسواق العمل على مصراعيها أمام العمالة الوافدة.
لهذا فالسياسات التي تتعاطى مع إشكاليات أسواق العمل، يجب أن تستند إلى تجذير مناسب لطبيعة القضايا التي تسعى إلى حلها وتعمل بصورة تنفيذية تكاملية.
وتأتي شمولية سياسات أسواق العمل في تركيزها على تنمية الموارد البشرية من جهة وحسن استغلالها من جهة أخرى.
حيث يتم التركيز على سياسات تسهم في رفع إنتاجية الموارد البشرية وقابليتها للتوظيف، وسياسات تقوم في المقابل بتهيئة سوق العمل لتوظيف هذه الموارد البشرية.
استشاري اقتصادي
algudhea@yahoo.com