كلا المتعصبين اليهود والنصارى طمعوا في فلسطين كأرض مقدسة في نظرهم يجب أن تكون تحت سيطرة التوراتيين بالنسبة إلى اليهود، واللاهوتيين بالنسبة للنصارى، ولهذا فقد شن متعصبو النصارى الحرب الصليبية الأولى، وتحالفوا مع ملوك أوروبا وأمرائها الخاضعين للكنيسة ليحتلوا أرض فلسطين ومعها أراضي الشام، ويبقوا قرنين من الزمن انتهت بعد أن طردهم العرب.
والآن يكرر الصليبيون الجدد متطرفو اليهود ليعيدوا تجربة الصليبيين؛ فبتحالف الصهاينة وورثة الصليبيين في أوروبا أمكن اطلاق وعد بلفور، الذي أعطى الإشارة الأولى لإقامة كيان الصليبيين الجدد في فلسطين، وبدلاً من أن يرسل ورثة الصليبيين جيوشاً، جمعوا اليهود في أوروبا وروسيا بممارسة الضغوط عليهم والتنكيل بهم كما فعل هتلر وبدعم الأموال الأوروبية ومن بعد الأمريكية وبسلاحهم أقيم الكيان الصليبي الجديد في فلسطين، وأنشئت إسرائيل كمملكة صليبية جديدة، لا تختلف عن مملكات الصليبيين القدامى التي أقامها ملوك وأمراء ودوقات أوروبا سوى أن المملكة الصليبية الجديدة ذات فكر توراتي مدعم بقنبلة ذرية.
هذا القول ليس من عندياتي ولا هو قول مفكر عربي مسلم، بل شهادة المؤرخ والباحث الإسرائيلي أمنون راز.
ودافع الباحث اليهودي (راز) عن تلك الفكرة في مداخلة تناولت العلاقة بين (إسرائيل) والعضو العربي السابق في الكنيست الاسرائيلي (المفكر العربي د .عزمي بشارة) في ندوة بمدينة الناصرة العربية عن فكر وإسهامات بشارة.
ونظم تلك الندوة بمناسبة مرور عام على هجرة (بشارة) القصرية خارج إسرائيل حزبه (التجمع الوطني الديمقراطي) بعنوان (عزمي بشارة.. القضية والفكر) وشارك فيها عدد من الباحثين يوم الخميس الماضي 4-10 .
وفي الندوة أكد المؤرخ الإسرائيلي صواب رؤية بشارة بأن إسرائيل دولة صليبية جديدة.. وقال (راز): إن الفارق بين الكيان الصليبي في القرن الثاني عشر وبين إسرائيل يكمن في أن الأخيرة تمتلك قنبلة نووية.
وأضاف المؤخر (راز) الذي يوصف بالتقدمي أن (المملكة الصليبية الجديدة لن تتراجع ببطء وينبغي تفكيكها بأشكال أكثر ذكاء، فالصليبيون الجدد يشكلون خطراً على المنطقة برمتها).. ودعا المؤرخ والباحث الإسرائيلي للتنبه لفكرة (بشارة) عن الدولة الثنائية القومية مع كل مشاكلها، وأكد أن فكرة الدولتين غير عملية إلا بتوفيرها حق العودة والمساواة التامة لفلسطينيي 48 .
وأوضح المؤرخ (راز) وهو محاضر بجامعة بئر السبع- أن عزمي بشارة طرح تحديات بالغة أمام الإسرائيليين في العقد الأخير، وأنهم تقبلوه في البداية، وما لبثوا أن رفضوه وحاربوه حينما (استشعروا خطره على المشروع الصهيوني وإسرائيل كدولة عنصرية وتهربا من التحدي الذي جسده).
ونوه المؤرخ الاسرائيلي إلى أن بشارة شدد على عدم التنازل عن الهوية القومية لفلسطينيي الداخل بصفتها قضية حقوق ومبادئ مقابل المواطنة الكاملة.
ويعتبر (راز) أن خطر بشارة تنامى كلما اتضح أكثر فأكثر أن فكرة الدولتين جاءت لسلب الحقوق الفلسطينية الوطنية.
بشارة رمى حجراً في مياه الإسرائيليين الراكدة، فبعد قول راز هذا أصبح الرابط بين الصليبيين والصهاينة واضحاً، ويفسر إلى حد كبير الدعم اللا محدود الذي يقدمه الغرب لورثة الصليبيين في المنطقة للعودة لاستعمارها.
jaser@al-jazirah.com.sa