Al Jazirah NewsPaper Monday  07/04/2008 G Issue 12975
الأثنين 01 ربيع الثاني 1429   العدد  12975
الحبر الأخضر
شكوى الطالبة (ريما)
د. عثمان بن صالح العامر

خرجت ريما من مدرستها مسرعة على غير عادتها، متجهة مباشرة إلى سيارة والدها الذي تعود أن يقف بعيداً عن الباب الرئيسي للمدرسة ليسهل عليه التحرك بعد أن تركب صغيرته معه وحتى تتمكن ريما من الوصول إليه دون عناء البحث عنه وسط الزحام

ودون أن ينادي الحارس بمكبر الصوت عن اسمه وسط الناس، وما أن أخذت هذه الصغيرة مكانها المعتاد وتحرك والدها متجهاً إلى المنزل حتى قالت بلغتها العامية البسيطة (يبه أبيك تكتب لي شكوى (فتعجب الأب) شكوى لمن وعن ماذا ولماذا!؟) فقالت ريما: (شكوى أي شي.. المعلمة قالت كل وحدة تكتب شكوى وتجيبها معها باكرا)، رد الأب بلا تردد: (إن شاء الله)، وراح هذا الرجل بعيداً في تفكيره المتشائم حول واقعه الذي يعيشه.. متسائلاً بمرارة: ترى لو كل واحد منا كتب شكوى لمقام خادم الحرمين الشريفين أو من ينوب عنه في إمارات المناطق عماّ يقابله في شارع الحياة من مخالفات وتجاوزات وفساد وإفساد أو دون بصدق هموم وأوجاع من يرى صباح مساء ووضعها بين يدي المسئول صاحب الصلاحية المخول من ولي الأمر لحل مشاكل الناس.. كم سيصل عدد هذه الرسائل؟.. لماذا لا نفكر نحن المجتمع السعودي بيوم خاص نسميه يوم الشكوى انبثاقاً من الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد والتي تمت الموافقة عليها من مقام مجلس الوزراء الموقر برقم (43) وتاريخ 1-2-1428هـ وعممت على جميع مناطق المملكة من لدن صاحب السمو الملكي وزير الداخلية حفظه الله رقم 50102 وتاريخ 24-5-1428هـ؟.. وسرعان ما عاد صاحبنا إلى نفسه معاتباً: لكن وماذا بعد الشكوى؟.. وهل سنكون جميعاً صادقين فيما نكتب من شكاوى أم أن غالبيتها ستكون شكاوى كيدية نشغل بها المسئول ونضلل عليه ونرمي بعضنا بما ليس فيه؟، أين نحن من الشفافية التي نصت عليها الإستراتيجية المشار إليها أعلاه؟، وبعد رحلة طويلة مع هذه الأسئلة القلقة رجع إلى صغيرته ريما ومعلمتها التي طلبت كتابة شكوى سائلاً صغيرته: وش معنى شكوى، هل شرحت لكم المعلمة ماذا تريد، ردت ريما سريعاً: لا، هي تقول (اكتبوا أي شي). عند المساء وبعد أن جلس الأب كعادته بعد صلاة المغرب يتناول التمر والقهوة العربية التي أدمن عليها، يشربها صباح مساء ولا يستطيع أن يصبر عنها في حضره وسفره وهذه غالباً عادة جل السعوديين إلا ما ندر، في هذه اللحظة والتي هي أنسب وقت للجلوس مع الأب وتقديم الطلبات اليومية. جاءت ريما وهي تحمل دفترها الذي تنعته بال (مسودة) وفي يمناها الصغيرة ذات الأنامل الذهبية الطاهرة قلم رصاص، جلست بجوار أبيها قائلة: (يبه يله تملي علي الشكوى)، سألها الأب: وعن ماذا تريدنا أن نكتب الشكوى ولمن ستوجهينها؟، وبعد مشاورات وتفكير من الاثنين تم الخلوص إلى أن توجه الشكوى إلى مديرة المدرسة وتكون عن المعانات التي تعاني منها طالبات المدرسة كل عام بل كل يوم من أيام الصيف في كل عام ونص هذه الشكوى بعد إجراء التعديلات اللازمة عليها هو: (سعادة مديرة المدرسة... الموقرة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.. فنحن بناتك الطالبات عانينا الصيف الماضي من كثرة انقطاع التيار الكهربائي في المدرسة مما جعلنا نتعرض لموجة من الحر الشديد نتيجة عدم اشتغال المكيفات في الصف، واليوم ونحن على مشارف صيف جديد نأمل من سعادتكم مخاطبة المسئولين في الإدارة لحل المشكلة سريعاً حتى لا تتكرر مأساتنا العام الماضي والذي قبله، والله يحفظكم ويرعاكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ابنتكم ريما). في الغد سألها الأب عن الشكوى وش صار، فقالت ريما أعطيتها المعلمة، ولم تقل شيئاً، واسترسل الأب في الأسئلة: هل فيه أحد كتب عن الكهرباء؟ فقالت ريما: نعم الكهرباء والماء، صدقوني ليست القضية قضية هذه الطالبة ومدرستها التي تعاني من هذه المشكلة المزمنة ولكنها قضية عامة لكثير من المدارس المستأجرة والمسئولية لا تقع فقط على وزارة التربية والتعليم ممثلة في الإدارات العامة لتعليم البنين أو البنات التي تتابع وتخاطب صاحب العقار ولكنها تقع كذلك على المؤجر وشركة الكهرباء، إذ إن هناك فرقاً كبيراً بين منزل يسكن فيه على الأكثر عشرة أشخاص أو يزيد قليلاً ومبنى يدرس فيه ما يقارب الـ400 طالب أو طالبة، نعم وزارة التربية والتعليم ماضية في التخلص من البيوت المستأجرة ولكن هناك أحياء يتعثر الحل فيها وهي ليست بالقليلة وعلى المؤجرين أن يتقوا الله في هؤلاء الصغار وأن يكونوا شركاء في العلاج لا حجر عثرة في سلامة وراحة وصحة وسعادة طلابنا وليكن لدى شركة الكهرباء مساحة من المرونة في التعامل مع هذه الحالات.. قد يقول قائل (وخير يطير) وش يعني أن ينقطع التيار ويتعطل التكيف عن هذه المدرسة أو تلك؟ ولهذا ولمن هم على شاكلته أسوق هذه القصة بإيجاز، يقول لي أحد أولئك الذين يعرفون كيف تورد الإبل أنه كثيراً ما كان يطالب بإيصال التيار الكهربائي لقريته ولكن لا مجيب ولم تنفع كل الطرق والوسائل لإقناع أصحاب القرار وفي يوم حار من أيامنا المشهودة دخل على أحد المسئولين أصحاب القرار في هذا الشأن وقال لمن معه (إذ دخلت المكتب وأيقنت أنني استقررت في المكان فتوجه للطبلون وأطفأ التيار ثم افتحه بعد مضي الوقت الكافي لتطبيق الدرس عملياً واستيعابه والاستفادة منه)، كانت كما يقول هو عنها (مجازفة ولكنها مجازفة محسوبة)، وبالفعل تم ذلك وسرعان ما تضايق صاحبي وأصبح يتململ وينادي طالباً الاتصال بالطوارئ وسرعة إعادة التيار، في هذه اللحظة تدخلت قائلاً وبثقه: (عجيب أنت لم تصبر على تحمل الحر نتيجة انقطاع الكهرباء لدقائق وتريدنا أن نبقى العمر كله بلا كهرباء.. أتق الله فينا واسترسلت بالكلام ومعي خطاب الأهالي الذي وضعته بين يديه كثيراً ورجعت بخفي حنين)، وفعلاً كان لهذا القول المربوط بالواقع المعاش الأثر الإيجابي المتوقع.

ولذا نقول لهؤلاء الملاك لنأخذ من هذا الموقف الدرس ولنتقي الله في صغارنا ولنكن عونا بعد الله مع وزارة التربية والتعليم في أداء رسالتها على أتم وجه وفي أحسن صورة، ولكم منا ومن القائمين على العملية التربوية والتعليمية في هذه المدارس ومن أولياء أمور الطلبة والطالبات بل من جميع الصغار الذكور والإناث جزيل الشكر وفائق التحية والتقدير.







لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد