كلنا لا نعرف من (الفلاش) حتى وقت قريب إلا ذلك الضوء الخاطف حينما نلتقط الصور في مناسباتنا المسائية البسيطة، فقد ظل الفلاش هو الفلاش رغم أنه منتج عصري جديد، أتى مع الكاميرا المطورة التي دخلت في سباق مع الكاميرا الشمسية.. تلك التي لا تستطيع إلا أن تأخذ الصور لمن يريد في وضح النهار وعرفت وقتها ب(العكوس الشمسية) أما الكاميرا ذات الفلاش فقد أعطت لمقتنيها حرية الاختيار أن تصور شمسية في النهار، وباللقطة الضوئية من الفلاش ليلاً وهو إنجاز مذهل في حينه.
هذا التقدم لأمر الفلاش لم يقف عند حد العكوس أو الصور ليلاً إنما تطورت حالته، وازدهرت صنعته وبات معبرا عن سرعة وتحول نوعي عجيب في حياة التقنية حتى بات أجرى من الفانوس السحري، فتقنيات الفلاش زادت تعقيدا لحياتنا فبتنا نصارع تحولاتها.. فلا نحن الذين نصنعها ونتعلم أسرارها، ولا نحن أولئك المستهلكين الماهرين على الأقل نعرف من أين تؤكل كتف التقنية لنتلذذ بتقنياتها المذهلة.
الفلاش بات الآن قطعة صغيرة لا تتعدى عقلة الإصبع الضامرة؛ يختزن كل ما نريد وبلا صعوبة تذكر فبتنا نخاف على الكثير من معاملاتنا ومخاطباتنا وكتاباتنا في جوفه من الضياع لتناهي حجمه أو لسرعة فقده المحتمل. الأمر الذي يلفت الانتباه في أمر الفلاش بعد أن تحول من الومض والبريق الخاطف من أجل الصورة إلى دخوله القوي في أمر معاملاتنا وأوراقنا التي قد تبلغ أحيانا حجم حقيبة سفر، فباتت تحمل سابقا على قرص مدمج أما اليوم فإنها تقبع من عشرات أو مئات في جوف الفلاش الصغير المذهل.
المراسلون في الإدارات الحكومية باتوا يذهبون ويعودون ويترددون بين المكاتب وتحسب أنهم فارغو الوفاض، فهم لا يحملون على أكتافهم أي معاملات أو يرفعون أوراقهم في السلال أو يدفعون المستندات بعربات ممتلئة، إنما باتوا يحملون السيديهات، وما لبثوا إلا أن تحولوا ليحملوا الفلاشات من مكتب إلى آخر من أجل إنجاز الأعمال الإدارية والمالية والتقارير والتوصيات في المؤتمرات والندوات في تلك الفلاشات المتناهية في صغرها وعالمها العجيب والمعقد والمذهل حقيقة. المدهش أننا تحولنا قليلا وقد كنا نحسب أن هذه الأجهزة لا سيما الفلاش أو القرص المدمج المتناهي الصغر لن تستطيع ثنينا عن مواصلة مشوارنا البيروقراطي والتعجيزي في طلبات الأختام والتواقيع والطوابع في بعض الإدارات.
يتمنى بعض الموظفين أن يمر الفلاش السحري حتى على برامج إجازاتهم التي غالباً ما تمر بمثبطات بيروقراطية تبدأ بورقة من عدة صور بحقول وخانات وتمهر بتوقيعات، فحينما يهم بتمتعه بإجازة ما فإن صاحب الورقة المسكين سيمر بالكثيرين ممن سيمهرون عليها مواقفهم وهناك من سيتطفل وهناك من سيتبرم وهناك من سيقول: (يا حظه) أو يا بخته أخذ إجازة. وهناك من سيختمها ومن سيضرب على لوحة مفاتيح الجهاز الكمبيوتري ومن سيتعامل معها في الصادر والوارد في وقت بات من المهم أن تكون مجرد سطر واحد عبر البريد الإليكتروني لصاحب الصلاحية ومن ثم الموافقة أو الرفض بمبررات حقيقية.
Hrbda2000@hotmail.com