Al Jazirah NewsPaper Monday  07/04/2008 G Issue 12975
الأثنين 01 ربيع الثاني 1429   العدد  12975

والصفعات تتوالى
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

قبل أيام حلَّت الذكرى الكارثية الخامسة للعدوان المتغطرس بقيادة أمريكا على العراق، وهو العدوان الذي أدى إلى احتلاله، ونجح نجاحاً واضحاً في تحقيق أهدافه المتمثلة في أمور من أبرزها القضاء على قوة ذلك القطر العربي الإسلامي؛

*****

لكونه - قبل ذلك العدوان والاحتلال - الخطر الاستراتيجي الحقيقي على الكيان الصهيوني، كما ذكر ذلك واعترف به وزير خارجية أمريكا الأسبق، بيكر، في مذكراته، ولن أتحدَّث عما ارتكب المحتلون وأعوانهم من جرائم بشعة خلال السنوات الخمس الماضية؛ فقد تحدَّث عنها الكثيرون، من بينهم أناس أمريكيون وغربيون من ذوي الضمائر الحيَّة. لكني سأشير باختصار إلى توالي الصفعات لوجوه أمتنا، بعضَ قادة مستمرئة للذل وشعوباً مشلولة الإرادة.

صفعات قادة الكيان الصهيوني لوجوه بعض قادة أمتنا بالذات يعرفها ويدرك أبعادها كل متابع لما يجري على مسرح الأحداث. فكثير من مؤتمرات القادة العرب لا يجفُّ مداد ما كتب من قراراتها، إلا وسارع قادة الصهاينة إلى صفعهم بارتكاب المزيد من الجرائم الفظيعة.

ومن تلك المؤتمرات مؤتمر بيروت، الذي أقرَّ فيه الزعماء العرب المبادرة التي طرحتها القيادة السعودية لتصبح مبادرة عربية، وفي ثاني يوم من توقيع أولئك الزعماء العرب على تبنيهم تلك المبادرة سارع الصهاينة إلى اجتياح عدة مدن فلسطينية، فقتلوا من قتلوا ودمَّروا ما دمَّروا.

أما نتائج اجتماع أنابوليس الخريفي فمنها تصريح الرئيس الأمريكي بأن الأمم المتحدة أثبتت فشلها في حلِّ النزاع في المنطقة، ولذلك يجب عدم النظر إلى قراراتها. ومن الواضح أن أهم ما قصده عدم النظر إلى قرار حق العودة.

ومن تلك النتائج التي هي بمثابة صفعات متتالية ارتكاب الكيان الصهيوني ما ارتكب من جرائم بشعة في غزة على وجه الخصوص، وتحدِّي قادته للجميع بمواصلة بناء مستوطنات جديدة لاسيما في القدس وما جاورها، معلنين بكل ثقة وجرأة أنها أرض إسرائيلية يعملون فيها ما يريدون.

وصفعات قادة الكيان الصهيوني للزعماء العرب وشعوبهم لا تخفى على أحد. ويكاد كاتب هذه السطور يجزم أن صفعات الإدارات الأمريكية - هي الأخرى - للزعماء العرب وشعوبهم واضحة لمن تأمل في مجريات الأحداث، ماضياً وحاضراً. كان الرئيس الأمريكي جون آدمز، قد نادى بإقامة دولة يهودية في فلسطين عام 1818م - وهو العام الذي قضي فيه على الدولة السعودية الأولى-، أي قبل وعد بلفور بمئة عام. وكان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - قد ناشد الرئيس الأمريكي، روزفلت، أن يقف بإنصاف تجاه القضية الفلسطينية، لكن رد ذلك الرئيس عليه كان - كما ذكر الزركلي (شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز، ج3 ، ص ص 1113 - 1114هـ) - إحالة إلى بيان الخارجية الأمريكية الذي ورد فيه:

(كل رئيس؛ ابتداء من الرئيس ولسون قد عبَّر عن اهتمامه الخاص في مناسبة واحدة أو مناسبات عدَّة بفكرة وطن قومي (لليهود)، وأبدى سروره بالتقدم الذي وصل إليه إنشاء هذا الوطن.. وإنه في ضوء هذا الاهتمام قد راقبت الحكومة الأمريكية وشعبها بأشدِّ العطف تدرُّج الوطن القومي في فلسطين، وهو مشروع لعب فيه الذهب ورأس المال الأمريكي دوراً رئيسياً).

وما كانت صفعات الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين بعد روزفلت إلا واضحة الأثر في وجوهنا، أما الإدارة الأمريكية الحالية فمظاهر ودِّ أركانها لأمتنا واضحة في فلسطين والعراق وأفغانستان. ووضوحها يغني عن الاشارة إلى جزئياتها.

على أن الصفعات التي نزلت على وجوه أمتنا اتَّسع نطاقها في المدة الأخيرة، فلم تعد تأتي من قادة الكيان الصهيوني وزعماء أمريكا، وكل صفعة منها تعبِّر عن حقد من قاموا بها على هذه الأمة واحتقارهم لها. ومن ذلك ما قامت به سبع عشرة صحيفة دانمركية من إعادة نشر الرسوم المسيئة إلى الإسلام، نبياً وديناً، في يوم واحد، وإعلان المسؤولين في المجلس الأوروبي وقوفهم مع الدانمرك في أي موقف قد يتخذه المسلمون ضدها بأيِّ شكل من الأشكال. ومنه أن وزير داخلية ألمانيا أعلن أنه لا يمانع - إن لم يكن يؤيِّد - أن تنشر كل صحف أوروبا تلك الرسوم. ومنه أن أعلى شخصية في ألمانيا أعلنت - خلال زيارتها للكيان الصهيوني- أن أي مساس بأمن ذلك الكيان مساس بأمن ألمانيا. ومنه أن فرنسا جعلت الكيان الصهيوني ضيف الشرف في معرض كتاب باريس، وذلك احتفاء بمرور ستين عاماً على إقامة ذلك الكيان في فلسطين مغتصباً إياها من أهلها ومشرِّداً لأكثرهم منها.

ومع كل ما سبق فما زادنا مرُّ الليالي والأيام إلا خضوعاً لإرادة أعداء أمتنا، ولم يكن هذا ليحدث لو أن الثقة بالله كانت متوافرة في النفوس، ولعدم توافر تلك الثقة ظلَّت نظرتنا إلى الأمور نظرة لا تتفق مع حقائقها. وكنت قد أدركت بوادر ذلك قبل أكثر من أربعين عاما، فكتبت قصيدة من وحي هذا الإدراك عنوانها: (لِمَ لا ؟)، ومستهلها:

ركب الأسى المضني وركب سهادي

في ليلي الداجي على ميعاد

وفدان كم نزلا إذا غشي الدجى

نفسي وكم حلاَّ صميم فؤادي

وكان آخرها:

صوت من الماضي البعيد يهيب بي

الصبر للمهموم خير عتاد

لكن أرزاء تطوِّق حاضري

جعلت نداء الأمس صيحة واد

لِمَ لا ومن حولي نعيق يختفي

في صوته رجع الطروب الشادي؟

لِمَ لا وما في الأفق إلا شرعة

عُكست وغيٌّ في إهاب رشاد؟

لِمَ لا ومن حولي تُسنُّ قواعد

لأرى المحيط يعجُّ بالأضداد؟

وأرى يد الجلاَّد تقطر من دمي

فأبوس في شغف يد الجلاد؟

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد