أهمية الكتاب والعناية به لا تقتصر على محبيه والمشتغلين به من العلماء وطلاّب العلم، بل تعدّاه إلى غيرهم من الناس، منذ قديم الزمن في الديار الإسلامية عامة، والديار النجدية خاصة، بعد أن انتشر الإسلام في كافة أنحاء العالم، والرس منذ دخولها تحت لواء الدعوة السلفية عام 1182هـ، وانتشار العلم والعلماء وطلبة العلم فيها، من منتصف القرن الثاني عشر الهجري، حيث انتشرت حلقات التعليم في المساجد ودور الكتاتيب، كان للكتاب أهمية عند من يعرف قيمته، وعند أهل الخير وطلاب الآخرة، حيث شرع الله للمسلم طرقاً عديدة للخير منها وقف الكتب العلمية المهمة خاصة كتب الحديث والفقه وغيرها، والذي رغبت فيه الشريعة الإسلامية وعدّته من باب الصدقات الجارية.
وكنت قبل فترة، أبحث عن وقف الكتب في الرس، ولم أستطع الحصول إلاّ على وثيقة واحدة، في المسجد الجامع ووقف عدد من الكتب على طلبة العلم في الرس، كتبت على طرتها ثلاث وثائق في وقف بعض الكتب في الرس، ولا يمكن أن نحكم بقلّة وقف الكتب في الرس نظراً لوجود كثير من العلماء وطلبة العلم الذين كانوا يقتنون عدداً من المكتبات في الرس منذ عام 1157هـ، سواء عن طريق النّسخ أو عن طرق الشراء أو الإهداء، أو بعد ظهور الطباعة في منتصف القرن التاسع الهجري وانتشارها في البلاد الإسلامية، في النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري، ولعدم استطاعتنا الحصول على الوثائق بسبب ظن ورثة العلماء وطلبة العلم بها.
أما الوثيقة فهي مؤرّخة في بداية الربع الأول من القرن الثالث عشر الهجري، وهي وقف مخصص في الجامع الطالعي جامع قرناس بن عبد الرحمن وبأشخاص مخصصين بالاسم بخط الشيخ عبد العزيز بن رشيد - رحمه الله - قاضي الرس المتوفى عام 1234هـ، والموقف هو شايع بن حمد الملقّب بالزبير من أسرة الحميدان من بني تميم، وهو جد أسرة البوثة الموجودة في الرس ونصّ واقف الكتاب بأنّه:
(على عيال رشيد بن زامل (1)، القاري منهم والطالب للعلم، فإن لم يكن فيهم قاري، فعلى الطالب في مسجد الرس من المسلمين)، أما بعض الكتب التي أوقفت في الرس فهي في الحديث والسيرة النبوية في منتصف القرن الرابع عشر الهجري ما بين عامي 1330هـ، وعام 1350هـ، وقد أوقفها كلٌّ من:
1- سليمان بن عبد الله العمرو الملقّب بن برقان، أوقف الجزء الثاني من صحيح البخاري طبعة مصرية قديمة، سنة 1330هـ، نصّ على:
(أن يكون على طلبة العلم في الرس وأطرافه قريات الرس المعروفة، وإن سافر به واحد إلى بلد غير ويرجع به إلى الرس فلا حرج، .... لا يباع ولا يشرى).
2- الشيخ منصور بن صالح الضلعان أوقف الجزء الرابع من صحيح البخاري طبع المطبعة الميمنية بالقاهرة سنة 1309هـ، بتاريخ 15 جماد آخر عام 1349هـ، ونصّ على:
(أنه أوقفه وقفاً منجزاً صحيحاً رجاء ثوابه من الله، لا يباع ولا يشترى. ولا يخرج من بلد الرس).
3- الشيخ محمد بن إبراهيم الخربوش إمام المسجد الداخلي (المسمّى العتيق) وأحد مدرسي الكتاتيب بالرس، أوقف الجزء الثاني من زاد المعاد في هدي العباد لابن القيم الجوزية، طبع على نفقة السيد مصطفى البابي الحلبي وأولاده، بمصر، الطبعة الأولى سنة 1347هـ، بالمطبعة المصرية، إدارة محمد محمد عبد اللطيف، نصّ على أنه:
(أوقفه لوجه الله تعالى لا يباع ولا يوهب ولا يخرج من بلد الرس والنظر له في وقفيته، تاريخ 15 محرم 1349هـ).
وظاهرة الوقف في الرس، ليست غريبة، نظراً لتوفر هذه الكتب في مكتبات علماء الرس منذ القدم كالشيخ رشيد بن زامل والشيخ قرناس بن عبد الرحمن وابنيه الشيخين محمد وصالح، وكذا الشيخ الناسخ الكتبي العالم إبراهيم بن ضويان، ومَن بعدهم من المشايخ وطلبة العلم، ونتيجة أيضاً للطفرة العلمية التي حصلت في الرس بعد انضمامها للدولة السعودية الثالثة، في عهد المؤسِّس الملك عبد العزيز - رحمه الله -، عام 1324هـ، بعد معركة روضة مهنا المشهورة، حيث انتشرت حلقات العلم في المساجد ودور الكتاتيب، بعد انتشار الأمن وتشجيع المؤسِّس للعلم والعلماء، فقد أقبل طلبة العلم على الدراسة في هذه المحاضن العلمية وشجعهم إلى الخروج من الرس للدراسة في عنيزة وبريدة والرياض بل وفي حلقات العلم في الحرم المكي الشريف خاصة، حيث تم الاستعانة بهؤلاء الطلاب فيما بعد في القضاء والتعليم والدعوة، منذ عام 1339هـ، بأمر من الملك عبد العزيز - رحمه الله تعالى -.
هذه لمحة موجزة عن وقف الكتب في الرس، وهو امتداد لعناية المسلمين عبر تاريخهم المشرق بالكتاب وأهميته ووقفه في المساجد والمدارس والأربطة وغيرها.
قبلان بن صالح القبلان
(1) أحد قضاة الرس السابقين، وورثته من بعده طلبة علم في الرس تولّوا مناصب القضاء والإمامة في الرس.