في بداية التسعينيات الهجرية حين تأتي كتابات الناشئة بشيء من العبارات المجنحة برموز دلالية لا يعتادها الكتَّاب المشهورون في كتاباتهم، أو تأتي في قوالب تختلف عما ألفوه... كانوا يسِمُونها بالغموض تارة وبتقليد المترجم تارات أخرى...
وقد يكون الناشئون من الكتَّاب والشعراء حينذاك لم يقرؤوا في المترجم من الشعر تخصيصاً ما يمد خبراتهم ويرفد أساليبهم بما يمكن أن يترك أثره المباشر فيما يكتبون نثرا مرسلا، أو شعرا مبتكرا... ويجعلهم يستحقون هذا الحكم.
وقد تنامى للقراء من المتذوقين والناقدين والمبدعين أنفسهم خبر تلك الجدلية بين وسم أساليب المحدثين بالغموض تارة، ومن ثم بالحداثة أخرى فيما لم يكن مصطلح الحداثة قد تبين بأبعاده للكثيرين.
ولا ينكر ذو صدق بأن غالبية الآراء حول الشعر والنثر لدى أجيال ما بعد التسعينيات كانت ترمى على عواهنها من دون قاعدة نقدية واضحة أو معرفة تعتمد على خبرة نقدية مؤصلة.
والبحر ماج حتى أنه قد وسمت بعض العبارات الرمزية في كتابات الكثير من الأبرياء بالخروج عن معتقد كاتبها، ومسّه من ذلك التأويل في فكره ودينه وتوجهه ما يخدش الثقة في مصداقية من يتصدى للكتابات عن أدب الشباب، ومن ثم أدب المرحلة التي انطلقت بعد أجيال أدباء صحافة الأفراد إذ كانت الصحافة منبر النشر الأساس، ومنطلق المرسل نثرا أو شعرا...
حتى أتيح لمن ألَّف ونشر خارج البلاد أو داخلها أن تستقر حروفه بين الأيدي لمزيد فرصة للتأويل ما شاءت قرائح النوايا.
مرَّ بي هذا الهاجس الآن، وأنا أقارن ما يكتب بما يلبس وبما يؤكل وبما يستهلك...
كيف مرت هذه المستهلكات مروراً هيّناً، وغدت ضمن منظومة السمت الاجتماعي لأسلوب الحياة الحديثة؟!!
فيما ظلت أساليب الشعراء والناثرين قيد تأويلات لا حصر لها ولا جزر...
ولا تزال قائمة عوائق الفصل بين أنماط الشعر ومدى قبول الحديث - نبات الوقت - منه ورفضه..؟
تُرَى لماذا لا يتم التعامل بقبول حصاد التغيير في كل أمر بما فيه شكل القصيدة ومضمون الفكرة ولغة التعبير...؟