طهران - أحمد مصطفى
يرسل مقتدى الصدر الزعيم الشاب بيانه بيد السفراء الثلاثة الذين حلّوا عليه فجأة كضيوف في مدينة قم، حيث يواصل دراسته الحوزوية إلى اتباعه في البصرة؛ فتهدأ المعارك ويتنفّس البصريون الصعداء؛ لا أحد يصدق ذلك إلاّ إنّها الحقيقة؛ منذ رحيل النظام العراقي السابق والبصريون لم يذوقوا طعم الراحة بسبب الصراعات الدامية على كراسي المحافظة؛ والأغرب أنّ الطائفة الواحدة ذات اللون الواحد تتقاتل فيما بينها، فليس هناك طرف ثالث عراقي يقاتل مع أبناء الطائفة؛ الصراع الدامي يتمحور حول (قيادة المحافظة) و(مجلسها الموقر)، وبسبب تلك الصراعات الدامية، فقدت البصرة الكثير من فرص الاستثمار، وعادت الأموال المخصصة للتنمية، وانتشرت الفوضى، وتعطّلت الأسواق، وانتشرت الأمراض، والفاقة وأصيبت المرافق الحياتية بشلل، وتراجعت الخدمات الإدارية، ولم يستلم المواطنون مكافآتهم الشهرية بسبب، وأضافة لذلك فالمدينة مهدّدة اليوم بشتّى الأزمات؛ كل تلك المصائب حلّت بسبب صراعات أحزاب البيت الواحد في البصرة؛ وبالطبع فهؤلاء لا أحد يشك بانتماءاتهم البصرية، ولكن الشارع البصري لا يبرئ هؤلاء من تنفيذ أجندة خارجية وليس عراقية على أرض البصرة؛ في معارك البصرة الأخيرة تتجسَّد للمراقب أنّ ثمة فريقين أحدهما يدعي (معارضي الداخل) (أنصار مقتدى الصدر والفضيلة) والآخر (معارضي الخارج) (بدر والدعوة)، وما بين هؤلاء فواصل عبدت بالدماء بدلاً من الحوار؛ وتركت بوصلة البنادق العدوّ الحقيقي، وراحت الطلقات تحصد رؤوس أبناء العمومة، من أجل السيطرة على الكعكة البصرية)، والحقيقة أنّ من يقرأ تأريخ البصرة فإن مدينة السياب والطيبة لا عهد لها مع هؤلاء المسلحين الغرباء، لأنها مدينة الفكر التي أنجبت المفكرين والأدباء؛ واتخذت لنفسها موقعاً فريداً في السفر الحضاري، فصار للبصريين مدارس للغة وللشعر وعنهم تؤخذ الآراء (قال البصريون ... ...) ديوان البصرة الشعري سفر خالد لمن يريد قراءة العراق وهي مدينة لم تتخلّ أبداً عن طيبتها وعفويتها لرجال جاؤا في خلسة الليل الدامس يسعون لتشويه سمعتها وكرامتها؛ وتحدث عنها (السياب) ووصفها بمدينة السلام التي لا تعشق الرصاص أبداً، ولأنها ديوان العراق باتت المدينة الأولى في العراق التي تتصالح مع الآخر ومصايفها مفتوحة لجميع الجيران بلا تميُّز ل(لون أو طائفة)؛ البصرة بمعنى آخر محفظة نقود العراق المتحركة، ولهذا السبب فإنّ الإخوة يتقاتلون فيما بينهم، وما قيل عن عصابات لتهريب النفط العراقي فهي عصابات تتحرك بوضح النهار تحت نظر السلطة هناك ورجالاتها؛ وما شهدته البصرة من معارك دامية راح ضحيتها الكثير من الأبرياء في تلك المدينة، لم تكن معارك مقدسة أبداً، لأنّ الحكومة قاتلت طرفاً شريكاً لها في العملية السياسية دون أن تعرفه للعالم (إنه تيار الصدر) الذي يسعى للسيطرة على السلطة في البصرة بواسطة الرصاص؛ تيار الصدر لا يمتلك شعبية في البصرة، لأنه تيار دموي يفتقد إلى استراتيجية الحوار والبرنامج السياسي، وأنصاره يفضلون الحوار مع الآخر بالرصاص وليس بالكلمة الحسنة؛ دخلوا في معارك مع اياد علاوي وسقطت رؤوس بريئة، والمعارك اليوم لم تنته بل ستتفجر يوماً لأن تيار الصدر هو قنبلة موقوتة بوجه العراقيين، ولا يظن أحد بأنّ هذا التيار سيخلد إلى العقلانية والحكمة، والصدريون يكذبون إذا ادعوا أن معاركهم في البصرة هي لإخراج المحتل، لأنّ نتيجة المعارك تلك هي تمديد بقاء القوات البريطانية وسقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى من العراقيين، حتى أن العوائل البريئة المختفية في منازلها لم تسلم هي الأخرى من هاونات المسلحين ورصاصهم الذي وظّفوه لقتل أبناء عمومتهم، والمضحك المبكي: أن تصمت تلك الأفواه ببيان جاء من الزعيم في قم؛ إنّ تلك المهازل وغيرها كان ينبغي أن لا تحدث، إذا تمسّك البصريون ببيان الحكمة الموجود في القرآن والسنّة النبوية؛ أوَ ليس الأجدر بأولئك أن يعودوا إلى كلام الله وتعاليم رسوله بدلاً من الاستماع إلى بيان رجل ما زال يدرس العلوم الفقهية؛ كيف يستسلم رجال في البصرة لشخص لم يبلغ بعد مرحلة السطوح في دراساته الحوزوية، ثم ماذا حصل العراقيون من (عنتريات الصدر) التي ما قتلت ذبابة للاحتلال؛ استعراض عضلات والنتيجة التقاتل العراقي - العراقي وسط تفرج جنود الاحتلال وابتسامتهم.