عنيزة - فوزية ناصر النعيم
تحت رعاية صاحبة السمو الأميرة نورة بنت محمد بن سعود (حرم أمير منطقة القصيم) ورئيسة اللجنة النسائية بالقصيم أقام مركز الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل الاجتماعي محاضرة ثقافية بعنوان (المرأة في الرواية المحلية) ألقتها الأستاذة شمس الحور محمد المؤيد عضو النادي الأدبي في المنطقة الشرقية وصاحبة مركز الوهج للرعاية النهارية لذوي الاحتياجات الخاصة.. ولقد استهلت حديثها عن وظيفة الرواية والتي تتمثل في اكتشاف التجربة البشرية وهي وظيفة لا يمكن أن تقوم بها أشكال التأويل الأخرى.. هذا ما يقوله (ميلان كونديرا) وهي وسيلة غوص في أعماق الذات وطريقة ميسرة لإيصال الأفكار، وبذلك تكون أفضل وسيلة للبوح بما لا يقال، أو لترميم ذات متشظية، أو للاحتجاج على قوانين مجتمع صارم قامع.. أو تحد لنظام استبدادي مهيمن.. وهذا يوصلنا إلى ما يمكن تسميته بمشكلة الرواية المحلية..
وحيث إن الرواية عموماً تبقى في إطار الكتابة الكاشفة فإنها تسلط الضوء على المناطق المعتمة في أي مجتمع، وتكون الإثارة أكبر إذا سلطت الأضواء الكاشفة على خفايا مجتمع محافظ شكل أسطورته الخاصة به، وانغلق على نفسه لعقود طويلة فيما يسمى بالخصوصية الاجتماعية.
فهل تلك الصورة نتاج واقع موجود فعلاً في حياتنا أو في حياة الكتاب الذين يصورونها بهذا الشكل أو ذلك؟
لكي نتفهم الوضع بشكل أوسع لابد أن نشير إلى أن المرأة في الرواية العربية تأتي في موقع ثانوي وبحسب علاقتها بالرجل، وعادة تتمثل للرجل كرمز أنثوي لكل ما هو جميل يحلم بها كرفيقة حياة أو حبيبة تمنحه السعادة والبهجة.
كما أنها تمثل الغدر والتقلب والخديعة إن هي تخلت عن عاشقها المفتون من أجل زوج مضمون.
وغالباً ما يكون جسد المرأة هو المحور الذي تتمركز حوله العلاقات الخاصة بالأحداث والأفعال والوقائع في روايتنا العربية.
في عالم الرواية المحلية أتت المرأة متأخرة فكتبت عن المرأة بشكل مختلف وتغيرت الصورة.. صارت هناك امرأة تعبر عن نفسها.. امرأة لها صوت.. قد يكون باكياً شاكياً.. زاعقاً متذمراً.. امرأة تظهر كضحية.. كقضية.. كمشكلة.
المرأة العادية ظهرت بشكل باهت أو مشوه.. أما المرأة المثقفة فقليلاً ما تحضر وإن حضرت فبشكل مأزوم ومتوتر.. امرأة مختلة التوازن في مجتمع قاس..
لدينا أمثلة من بعض الروايات المحلية لعدد من كاتباتنا اللواتي أثبتن حضورهن في مجال الكتابة الروائية نستعين بها لمعرفة الطريقة التي تصور بها المرأة المرأة.
1- رواية ليلى الجهني الفردوس اليباب، تعرض علينا صورة للمثقفة التي لم يحمها علمها وثقافتها من الوقوع في ما تقع فيه أي فتاة ساذجة.
2- في جاهلية الفتاة المثقفة المتحدية لتقاليد مجتمع متعال وعنصري، حيث تجريم وتحريم الزواج بين شخصين مختلفي العرق أو اللون أو الجنسية.. وإن كان تحدياً سلبياً فرضته ظروف قامعة.
3- زينب حفني تقدم الرجل بشكل صارخ مستفز... ومتسلط ظالم.. مستهتر.. متناقض.. يعتدي على براءة المرأة في سن الطفولة، ويفرض عليها وصايته عليها كصاحب سلطة.. ويتسلى بها إن أعطته ثقتها كعاشق ثم يتركها لعدم ثقته بها.
أما النساء في رواياتها فهن بجانب أنهن مغوَيَات فهن مُغويات.. جامحات ينتقمن لأنفسهن من جور المجتمع بفساد أخلاقي يحولهن إلى إناث مستهترات يمارسن علاقات محرمة، أو مستهجنة.
4- في روايات قماشة العليان تظهر النساء عادة شاكيات باكيات حزينات تعيسات بسبب جبروت الرجال، ومهما تعلمن يبقين شخصيات محطمة لا تملك أي قيمة داخلية.
5- رجاء الصانع في روايتها بنات الرياض التي أثارت ضجة كبرى وفتحت شهية الكتاب الجدد لفضح أسرار المجتمع الخفية ترصد بشكل رئيس حياة أربع شابات جامعيات من أسر ثرية.. عشرينيات منعمات مرفهات ممنوعات من حرية قيادة السيارات واختيار نوع التعليم الذي يردنه ولا فرصة لديهن للتعرف بشكل جيد على الزوج قبل عقد القران. منهن من تهرب إلى خارج البلاد للحصول على الحرية المنشودة ومنهن من تستسلم للواقع.
6- في رواية بدرية البشر (هند والعسكر) تبدو النساء أكثر اختلافاً وتنوعاً في الطباع وطرق التفكير والتعامل مع الأوضاع.
هناك من تعيش الحاضر بعقلية الماضي، وهناك المتحضرة فكرياً التي تعاني من استبداد المجتمع وقسوته، وبينهن من تحيا بروح المغامرة، هناك مثال غريب للأم الصامتة المتحكمة رغم صمتها في حياة الأبناء بشكل خارج عن المألوف كتعويض عن حياة أهدرت، تفسد حياة الأبناء الذكور، أما الابنة فتعاني من عدم الاعتراف بها كإنسانة متعلمة ومنعها من التعبير عن ذاتها بالكتابة واضطرارها إلى التخفي وراء اسم مستعار لتعبر عن ذاتها.
7- في البحريات لأميمة الخميس يكون الخطاب الروائي أساساً مهتما بتصوير حياة نساء استقدمن كزوجات من الخارج لإضفاء الحيوية على حياة الرجال الجافة، وربما لتحسين النسل، مع ما ينشأ من صدامات توجدها اختلاف طرق المعيشة التي تربين عليها ومحاولات تذويبهن داخل البوتقة الاجتماعية الموجودة ومع ذلك نجد حضورا لا بأس به للمرأة المحلية كأم صالح.
زوجة الابن التي تتباهى بجمال ابنتها لنقص جمالها حيث تعذر منافسة الغريمة الشامية المستحوذة بجمالها وبشكل كامل على الزوج..
8- في روايات رجاء عالم النساء مختلفات قادرات على التحكم بزمام حياتهن دون اهتمام برأي المجتمع وتقولاته.. متفلسفات غامضات في دوافعهن ولكنهن متآلفات مع واقعهن الأنثوي ومتفهمات لحاجاتهن ورغباتهن، وعلى وئام تام مع القيود المفروضة عليهن..
يحسب لرجاء عالم قدرتها على اختراق عالم المرأة الداخلي، فبطلاتها متوازنات داخليا وعلى درجة كبيرة من الوعي، يعالجن مشاكلهن بنوع من التفلسف العميق.
في النماذج المختارة وفي نماذج أخرى عديدة لم نذكرها نلحظ أن المرأة الكاتبة ما زالت خاضعة لتأثير الموروث الجمعي بشكل لا واع، حيث المرأة تقدم كأنثى ضعيفة خاضعة لسيطرة الرجل عاجزة عن حماية نفسها من ظلمه وتعسفه من ناحية، وهي هشة معرضة للسقوط في حمأة الخطيئة من ناحية أخرى إن غفل المجتمع عنها، أو نالت شيئاً من حريتها.
واستنادا إلى جوليا كريستيفا فإن النص الروائي ليس مجرد لغة تواصل، أو تصوير واقع موجود أو للدلالة عليه، وإنما هو عامل في تحويل وتحريك هذا الواقع، وبذلك فإننا نعول على نصوص روائية قادمة تعمل على انتزاع إنسان مجتمعنا من غفوته، ومن آلية حياته اليومية، وتمنحه إدراكا للعالم ولما يدور حوله من أحداث ومعطيات بتقديم تجارب إنسانية أكثر رسوخاً وقدرة على مواجهة جميع أنواع التخلف الاجتماعي.
يمكن للمرأة الكاتبة - الروائية بشكل خاص - وضع بذرة التغيير بالاستعانة بحيل السرد المتنوعة ومرواغات التقنية الروائية وتوظيف الأسطورة والحكاية بذكاء شهرزاد، واستخدام التأويل والإيحاء والتمويه والإيهام والإسقاط والرمز، وما إلى ذلك من فنون تختص بها الرواية، من أجل خلق تغيير إيجابي شامل في مجتمع ساكن خامل.
نريد من الرواية النسائية في مجتمعنا أن يكون لها دورها المؤثر في حياتنا وأن تتحمل عبء مساعدتنا على فهم ما يحدث في الحياة كما يعبر كونديرا لا أن تقلقنا وتزيد من حيرتنا وهمومنا.
وانتهت المحاضرة بالعديد من المداخلات والأسئلة.. قالت خلالها سمو الأميرة نورة بنت محمد: شكراً للمحاضرة التي أرى أنها غطت جميع جوانب الرواية المحلية والحقيقة إنني أضم صوتي لصوت الأستاذة شمس الحور بأن الرواية السردية أسرع طريقة للشهرة حينما تحجب.. علماً بأننا لا نرى فيها أي سمة من سمات الرواية الحقيقية في العالم العربي.. هذه الروايات أخذت جزئية معينة في الرواية وأهملت الناحية الفنية وانشغلت في محور مرفوض وهو نشر الفضائح وتجريد المجتمع من قيمه.. ثم إنني أريد أن أوضح أن عملية المنع وحظر الرواية ونقدها يزيد شهرتها وهو عمل دعائي يجعلنا نحفز الجميع على البحث والقراءة فكل ممنوع مرغوب.