الكاريزما Charisma) كما تسمى في الغرب- هي الشخصية القيادية الآسرة، القادرة على بسط حضورها أينما وجدت، وفي أي مجال تتطرق إليه. وهي في منشأها كلمة إغريقية تعني (موهبة ربانية) أو (منحة إلهية). والشخصية الكاريزماتية، هي شرط ضرورة في المهام ذات الطابع القيادي، والتي يحتاج صاحبها إلى جذب الجماهير، ونيل احترامهم، واستقطاب إعجابهم، ليتمكن من قيادتهم.
الملك عبدالعزيز -رحمه الله- هو مثال دقيق لصاحب الشخصية الكاريزماتية في العصر الحديث؛ فقد كانت كل صفاته الذهنية والجسمية، ناهيك عن تاريخه، تؤكد أنه كان نسيجاً فريداً من نوعه بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وفي الغرب هناك كثير من الأمثلة التي تطرح كشخصيات كاريزماتية، كان لها مكان باق في التاريخ. بسمارك (1815-1898)- مثلاً- كان الأشهر في العصور القريبة عند الغرب لصاحب الشخصية الكاريزماتية، إضافة إلى الثقة في النفس؛ وإليه تنسب العبارة المكتظة بالثقة، والمتداولة على ألسنة الناس: (أينما أكون يكون رأس الطاولة).
الأمير سلمان بن عبدالعزيز هو مثال معاصر نعايشه لهذا النوع من الشخصيات الآسرة والذي تنطبق عليه تماماً هذه العبارة: (أينما يكون يكون رأس الطاولة)!
فقد كنت أتابع المحاضرة تلفزيونيا التي ألقاها سموه في جامعة أم القرى عن تاريخ الملك عبدالعزيز في مكة المكرمة، والذي كان يطرح فيها فكراً لا علاقة له بالأمير سلمان السياسي المحنك والحاكم الإداري المخضرم المجال الذي عرفناه فيه؛ ومع ذلك استطاع أن يفرض هيبته، أو قل: شخصيته الآسرة، على المحاضرة، والمعلومة، ويشدّ الانتباه، وبالذات (اللمحات) التي احتوتها المحاضرة.
والثقافة في عصرنا، وبالذات المعلومة التاريخية، هي زاد السياسي الأول، ومعينه الذي من خلاله يستطيع أن يُثري قدراته على قراءة اللحظة واستشراف المستقبل. والذي يعرف الأمير سلمان، يعرف شغفه بقراءة التاريخ، ومتابعة ما ينشر، ورؤيته الاستراتيجية، وقدرته على تحليل الواقع مستمداً أدوات تحليله من الماضي ومتطلبات الحاضر والمستقبل.
ولديه -بالمناسبة- ذاكرة حديدية، تلبيه حتى عندما يرتجل، أو يكون في نقاش مع أحد حول موضوع معين. والمحاضرة لم تكن سرداً إنشائياً، وإنما (تعمّد) أن يؤصل جميع المعلومات التي يطرحها عن الملك عبدالعزيز، ويُعيدها إلى مصادرها التي استقاها منها.
يقول سموه عن (إنسانية) الملك عبدالعزيز، وصفحه، وعدم حمله للضغائن تجاه الآخر في لمحة ذكية، ومُعبرة: (تعامل الملك عبدالعزيز مع من عارضه أو حاربه من أجل إقامة هذه الدولة تعاملاً إنسانياً وكريماً، حتى قيل إنه ما من شخص عاداه وبقي حي يرزق إلا عاد إليه طوعاً بسبب حسن تعامله وصدقه مع الناس، وإنسانيته. وتجسدت قمة هذا التعامل الإنساني لديه في منهجه -رحمه الله- بوضع الثقة في أولئك الرجال الذين كانوا خصومه ثم أصبحوا معه، حيث أسند إليهم المناصب القيادية في مجالات الإدارة والتعليم والجيش والمال والتشريفات وغيرها).
الأمير المثقف، والواعي، والمتابع، والشخصية الآسرة، هي أهم ما يميّز هذا الإنسان، ويجعله (رجل دولة) من طراز فريد.