عُيِّن مؤخراً نائباً لرئيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية أحد الأساتذة المشهورين في جامعة أمريكية مرموقة، وقد عُيِّن قبله رئيس جامعة سنغافورة سابقاً رئيساً للجامعة، وهو أيضاً ممن يشهد له بالمستوى العلمي المتميِّز والإدارة الأكاديمية البارعة،
لكن اللافت للنظر هو أنّ كليهما قد تجاوزا الستين عاماً (بالطبع بالتاريخ الميلادي)، فرئيس الجامعة عمره يزيد عن ثلاثة وستين عاماً والآخر خمسة وستين عاماً، والأخير يمكن اعتباره غير مؤهل من الناحية العمرية للتعيين حسب نظام التعليم العالي والجامعات الذي تنص إحدى مواده على الآتي:
مادة 93: (يحال عضو هيئة التدريس ومن في حكمه إلى التقاعد بقرار من مدير الجامعة إذا تم ستين سنة هجرية من العمر).
(يجوز بقرار من مدير الجامعة تمديد خدمة من بلغ الستين سنة أثناء العام الدراسي إلى نهايته، ولمجلس التعليم العالي بناءً على توصية مدير الجامعة تمديد من يبلغ الستين سنة فترة أو فترات حتى بلوغه الخامسة والسبعين).
أي أنّ نائب الرئيس الذي عُيِّن مؤخراًَ لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لا يحق له التعيين في هذا المنصب أي انتهت صلاحيته لو أنه تم الالتزام بالنظام المشار إليه.
وتنص المادة 96 على (يجوز لمجلس الجامعة الاستعانة بالأستاذ غير المتفرغ بشرط أن يكون من أعضاء هيئة التدريس السابقين أو من العلماء المتميّزين ذوي الخبرة الطويلة في التخصص الذي سيتولّى تدريسه ولا يجوز تكليفه بأي عمل إداري. وهكذا تؤكد المادة على عدم صلاحية من بلغ خمسة وستين عاماً لتولِّي نيابة رئيس الجامعة).
وهنا نتساءل:
ترى من صاحب القرار المحق .. جامعة الملك عبد الله التي عيّنت (مسنين) لتولِّي قيادة الجامعة أو نظام جامعات المملكة الذي لا يرى مناسبة تعيين مسن على إدارة الجامعة؟
في نظري أنّ بلوغ عضو هيئة التدريس الستين عاماً مناسبة لمراجعة وضع عضو هيئة التدريس من الناحية الصحية والعطاء على المستوى التدريسي والبحثي، وأيضاً رغبة عضو هيئة التدريس في البقاء أو التقاعد، لكن أن يتغير وضعه الوظيفي حتى وإن كان متميزاً فتعيينه أستاذاً غير متفرغ بغض النظر عن كفاءته وتميزه فالمسألة فيها نظر، فبالمناسبة ما المقصود بأستاذ غير متفرغ، هل هو الذي لا يطلب منه سوى إعطاء المحاضرات ثم العودة إلى منزله ولا يكلف بأعمال تتعلق بإشرافه على الطلاب في مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا أو حتى الالتزام بساعات مكتبية؟ .. الملاحظ أن من يستعان به أستاذاً غير متفرغ لا يختلف عمله وواجباته عن ما كان يقوم به قبل التعاقد، فلماذا إذن يسمى أستاذاً غير متفرغ؟
المعروف أن جامعات المملكة في أمس الحاجة إلى أعضاء هيئة التدريس السعوديين وبخاصة المتميزين منهم وذوي الخبرة الطويلة يستفاد منهم في مجال التدريس والبحث وخدمة المجتمع والإدارة الأكاديمية، فلقد توسعت الجامعات في القبول وافتتحت كثير من الكليات في مناطق مختلفة وازداد عدد كليات المجتمع. فإذا كان النظام مناسباً عندما كان عدد الطلاب محدوداً والحاجة ليست ملحة كما هي الآن، فإن الوقت قد حان لإعادة النظر في النظام وتطويره بما يتفق مع ما هو معمول به في جامعات العالم. فلا شك أن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية قد استندت في نظامها لما هو موجود في جامعات العالم وبالذات في الدول المتقدمة والتي لا ترى ما يمنع من استمرار عضو هيئة التدريس في عمله بغض النظر عن عمره ما دام قادراً على العطاء. واذكر أنه في زيارات خادم الحرمين الشريفين لجامعة الملك سعود وفي أكثر من مناسبة أكد - حفظه الله - أن عضو هيئة التدريس لا يتقاعد بل واجب عليه خدمة دينه ومليكه وأبناء الوطن. أما أن يتمسك بنظام لا يخدم المصلحة العامة ويشعر عضو هيئة التدريس الذي خدم سنوات طويلة بأنه شخص مختلف وأن تعيينه أستاذاً غير متفرغ منّة من الجامعة ومصلحة مادية له فقط، فهذا خطأ يجب معالجته، كثير من العلماء ممن حصلوا على جوائز عالمية مثل جائزة نوبل أو جائزة الملك فيصل قد تعدّوا سنوات التقاعد بمراحل ولكنهم لا يزالون قادرين على الإبداع ومن حضر حفل تسليم جوائز الملك فيصل يرى صدق ما أقول.
نحن بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في نظام التعليم العالي والجامعات ومن الضروري الاستفادة من خبرة من سبقنا في التعليم العالي في الجامعات العالمية المعروفة. لماذا لا يكون لدينا نظام يتسم بالمرونة والديناميكية نظام يتيح للجامعة إمكانية التحرك والتجديد بدلاً من نظام شامل يحكم كل الجامعات بغض النظر عن ظروفها .. لم أجد مثل هذا النظام فيما وافق عليه مجلس الشورى الموقر مؤخراً بل إنه كان تقريباً النظام نفسه الذي تعمل به الجامعات، مع بعض الإضافات مع أنه كان المؤمل أن يركز المجلس على الإطار العام للتعليم العالي مثل نظام التعليم والتوسع في القبول والتأكيد على الجودة وإعطاء البحث العلمي المكانة المناسبة ويترك الباقي للجامعات كي تطبق ما تراه مناسباً لها.
إن مديري جامعتنا على مستوى عالٍ من الوعي الأكاديمي ومن الرغبة الصادقة في التطوير والتجديد ونرى ذلك واضحاً في كثير من الجامعات ومنها جامعة الملك سعود التي اتبعت خطوات فاعلة في تطوير العملية الأكاديمية بإدارتها الجديدة، وحققت الكثير من الإنجازات مثل توقيع الاتفاقيات مع أساتذة متميزين وإنشاء مراكز بحوث متميزة وكراسي البحث العلمي وتطوير موقع الجامعة الإلكتروني، لذا أتوقع أن تقفز الجامعة إلى مستويات متقدمة في حالة التصنيف، لكن يظل التطوير قاصراً ما لم يتبع ذلك تطوير في الأنشطة واللوائح تكون ذات سمة مرنة تختلف عما هو معمول به الآن. واعتقد أن أحد أهداف توقيع الاتفاقيات مع الجامعات المتميزة يدخل في مضمونة الاستفادة من نظام تلك الجامعات الذي أثبت جدواه في معالجة القضايا الأكاديمية.
هنالك أيضاً مسائل أساسية يجب أن تحسم قبل الانطلاق في مضمار التطوير وتحسين الجودة في الجامعة ومن أهمها نظام التعليم، فإذا كانت جامعة الملك سعود مثلاً ترى أن نظام الساعات هو النظام الأنسب لها لتدريس الطلاب، حيث يأخذ هذا النظام في الاعتبار اختلاف قدرات الطلاب، فإنه يلزم لذلك أخذ موافقة مجلس الوزراء الموقر فهو الذي سبق وأن أصدر قراراً بإيقاف نظام التعليم بالساعات لذا هو صاحب القرار في العودة إليه ثانية، وأجزم أنه في حال تقدمت الجامعة ممثلة بوزارة التعليم العالي إلى المجلس بالرغبة في الرجوع إلى نظام الساعات فأعتقد أن الموافقة لن تجد إن شاء الله صعوبة في المجلس.
وهناك بالطبع لغة التدريس بغير اللغة العربية وبالأخص باللغة الإنجليزية في الكليات الصحية والهندسة والحاسب وغيرها. فإذا كان الواقع هو التدريس باللغة الأجنبية فلماذا يطلب الاستثناء في حالة الرغبة بكتابة الأطروحة لرسائل الماجستير والدكتوراه باللغة الإنجليزية في هذه الكليات، فكيف يكون التدريس باللغة الإنجليزية وعند كتابة الرسائل يتوقع أن تكون باللغة العربية؟
ولا ننسى ميزانية البحث العلمي في جامعات المملكة والتي تمثل نسبة متدنية من ميزانية الجامعة أقل من واحد في المائة وهذا ما لا يتناسب مع طموحاتنا في تطوير البحث العلمي، وبالاطلاع على ما تخصصه الجامعات العالمية والتي وقعت معها جامعة الملك سعود وغيرها اتفاقيات تعاون يلاحظ أن النسبة مرتفعة وهذا ما حقق لها تميزاً علمياً عالمياً.
وفّق الله المسؤولين في وزارة التعليم العالي والجامعات على العمل لرفع مستوى التعليم الجامعي والارتقاء بالبحث العلمي والاستفادة من كافة الموارد الوطنية. كما آمل أن تكون جامعة الملك عبد الله جسراً وهمزة وصل بين جامعاتنا والجامعات العالمية بما يحقق لنا الريادة العلمية والتميُّز التقني في ظل قيادتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.