حاوره - بندر الايداء
كشف البروفيسور الأمريكي جيمس هيكمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2000 أن فك ارتباط الريال بالدولار وارتباطه باليورو سيحدث تغييراً في الهيكل الاقتصادي السعودي ككل وستكون نتائجه على المدى البعيد ذات تأثير كبير، مشيراً إلى أن خطوة كهذه يجب أن تسبقها دراسات عميقة باعتبار أن لا أحد يضمن احتفاظ اليورو بقوته إلى الأبد. وبهذا الحديث يكون البروفيسور قد وضع نفسه ضمن قائمة الاقتصاديين الداعمين لسياسة المملكة المالية المتمسكة بالارتباط بالدولار، وقال: إنني أشاطر السعوديين الاستياء بانعكاسات الوضع الاقتصادي الأمريكي المتردي عليهم ولكن المسألة تحمل بعداً إيجابياً آخر!!
وبروفيسور الاقتصاد الشهير جيمس هيكمان الحائز على جائزة نوبل هو ضيف الاقتصاد اليوم بعد أن التقته الجزيرة خلال زيارته للمملكة مؤخراً بدعوة من جامعة الملك سعود ليتحدث حول العديد من القضايا التي تمثل هموم الاقتصاد عالمياً وإقليمياً ومحلياً...... وفيما يلي نص الحوار:
* أضيف علم الاقتصاد الى فروع جائزة نوبل في عام 1968م بصفتكم أحد الحائزين على هذه الجائزة في عام 2000م, كيف ترون إسهام علماء الاقتصاد في تقديم حلول للمشكلات التي يعانيها الاقتصاد العالمي والعالم الثالث تحديداً؟
- في البداية دعني أؤكد أن الدراسات والنتائج التي يصل إليها الحاصلون على جائزة نوبل قابلة للتوظيف في مختلف مستويات الاقتصاد بجميع دول العالم وإن اختلفت سياساتها الاقتصادية، حيث إنها تتضمن ركائز متينة يمكن الاعتماد عليها في التعامل مع القضايا الاقتصادية المعاصرة.
وبالطبع دول العالم الثالث ليست بأقل حاجة للالتفاف حول ما يساهم به هؤلاء العلماء في سبيل خدمة الاقتصاد العالمي، كما أن علماء نوبل الاقتصاديين يستطيعون إجراء الإصلاحات اللازمة بالإضافة الى تقديم الإستراتيجيات الناجحة لدول العالم الثالث لإلمامهم الكبير بماهية الثوابت ومعرفتهم للسبل المثلى المفترض اتباعها في تلك الدول للرقي بمستوى اقتصادياتها ومواكبة التقدم الاقتصادي المتسارع في مختلف دول العالم.
كما لا يفوتني التشديد هنا على ضرورة رسم السياسات الاقتصادية الملائمة لكل دولة على حدة لاختلاف الظروف المحيطة، وهنا لابد أن أقول إن دول العالم الثالث تقدم دروساً إصلاحية في المجال الاقتصادي في الوقت الراهن، وقد يأتي دورنا في تحديد نقاط الضعف الحقيقية وأسباب الفشل والنجاح في كل سياسة اقتصادية على حدة..
* هناك منعطفات اقتصادية يمر بها الاقتصاد العالمي واقتصادات المنطقة على وجه الخصوص ولعل أبرزها انخفاض قيمة الدولار الأمريكي، وبما أن الريال السعودي مرتبط بالدولار، كيف ترون جدوى استمرارية الارتباط مع وجود الأصوات التي تطالب بإنهاء تلك العلاقة للقضاء على تداعياتها السلبية على النطاق المحلي؟
- إنني أوافقك الرأي تماماً حيث إن استمرار انخفاض الدولار وبهذه الصورة المطرده قد تكون مدعاة لقلق الدول التي تربط عملتها بالدولار الأمريكي، فظروف اقتصادنا خلقت هذا الواقع وقد يكون هذا أحد نتائج عدم الاستقرار الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن وجهة نظر شخصية فإني وإن كنت أشاطر السعوديين هذا الاستياء إلا أن المسألة تحمل بعداً إيجابياً يقلل من جدوى فك الارتباط، كانخفاض تكاليف التصدير في المملكة التي باتت عامل جذب لأعين الدول المستهلكه قبلة واتجاه بوصلة للمستثمرين.
ولو افترضنا جدلاً أنك تقصد استبدال الارتباط بالدولار الأمريكي بربط الريال بعملة اليورو الأوربية فإن مسألة صادرات البضائع السعودية ستتأثر سلباً بذلك، والأهم من ذلك أن فك الارتباط وإعادة الارتباط باليورو سينتج عنه تغيير في الهيكل الاقتصادي ككل، لذلك لابد من الدراسات المكثفة قبل القيام بخطوة من هذا النوع والنتائج المتوقعة على المدى البعيد. ودعنا نفترض أن شيئاً كهذا سيحصل.. صدقني أن المسألة ستكون مربحة لدول الخليج والسعودية خصوصاً على المدى القصير إلا إنني لا أعتقد أن اليورو سيتمكن من الاحتفاظ بقوته إلى الأبد وبالتالي لن يتمكن من دعم الأسعار المنشود.
لذلك أعتقد أنه من الأفضل استمرارية ارتباط العملة السعودية بالدولار كإجراء ناجح على المدى البعيد وبحكمة التعاطي مع الواقع الاقتصادي بجميع تفاصيله.
* باعتباركم أحد أبرز الباحثين في مجال التقييم الدقيق لبرامج سوق العمل ولديكم خطة تعرف على الصعيد العالمي باسم (طريقة هيكمان الإصلاحية) التي تتناول معالجة الجانب الاحصائي في سوق العمل.. برفيسور هيكمان كيف ترون تأثير عملية إحلال الآلة الإلكترونية محل القوى البشرية على مستوى البطالة من جهة، وعلى التقدم الاقتصادي من جهة أخرى؟
- سؤال مهم.. في الواقع أن المتتبع لمجريات التطورات الاقتصادية في العالم يلاحظ تزايداً كبيراً في معدلات الطلب على الأيدي العاملة المؤهلة والمدربة تدريباً متقناً، ولا يمكن الاستعاضة عن العمالة المدربة والكفاءات البشرية بالآلة الإلكترونية، وقد يكون من الصعب أن تقوم هذه الآلات بما يؤديه الإنسان وما تفرزه ابتكاراته وبحوثه في نطاق عمله. ولو عدت لسؤلك لقلت لك نعم هناك عملية إحلال ضخمة يشهدها العالم بأجمعه ولكنها في مجملها عملية إحلال العمالة المدربة الماهرة محل الأيدي العاملة ذات الكفاءة المحدودة.
وهذا يقودنا لتفسير التنامي الكبير في الطلب على رؤوس الأموال المرتفعة حيث إن المسألة مرتبطة ببعضها بعضاً، فإن الحاجة لرؤوس الأموال الكبيرة لاحتواء الأيدي العاملة الماهرة باتت أحد ملامح التطورات الاقتصادية حول العالم.
وقد يكون نقص الكوادر المؤهلة والأيدي العاملة الماهرة سبباً رئيساً في تراجع منظومة الاقتصاد في بلد ما، وقد يكون العجز عن تأمين الكفاءات اللازمة حاجزاً منيعاً يواجه الشركات الناجحة التي تشهد نمواً في رأس مالها رغبة منها في التوسع ورفع مستوى جودة سلعها وخدماتها.
* قامت المملكة بجهود مكثفة لتوطين الوظائف وهناك العديد من المبادرات كعملية (سعودة الوظائف) كأحد الحلول لخفض معدلات البطالة إلا أن الإحصائيات تشير الى وجود قدر كبير يتجاوز 25% من عدد سكان المملكة هم من العمالة الأجنبية كما أن عدد الشباب العاطل تجاوز 500 ألف شاب.. كيف يمكن التعاطي مع هذا الواقع وهل هناك سقف محدد من العمالة الأجنبية للتواكب مع متطلبات التنمية؟
- بالنظر لواقع المملكة من الناحية الاقتصادية فإنها حالياً تشهد طفرة اقتصادية، وقد يكون وجود الكادر الوظيفي المؤهل أحد متطلبات التنمية وضمان استمراريتها، وعليه قد لا يمكن لبلد ما الاستغناء عن العمالة ولو بنسبة يسيرة لسد الاحتياج الناتج عن تقدم عجلة الاقتصاد. أما حول تحديد نسبة العمالة الأجنبية في المملكة فإني أعتقد أن هذه مسألة جدلية بالفعل، وبغض النظر عن كون المسألة تستند الى حجم الطلب على العمالة الأجنبية فإن الأمر بالنسبة لكم في المملكة مسألة عمالة ماهرة وعمالة غير ماهرة من وجهة نظري..
وكما قلت لك في الاقتصاديات الناجحة والمتقدمة يكون الاعتماد على الأيدي العاملة ذات المهارة العالية من أولويات مسيرة العمل السليمة وهنا نستطيع الجزم أن الشباب السعوديين الذين لا يتميزون بالكفاءة والمهارة المناسبة خلال أداء مهام عملهم هم أول المتضررين من وجود الخبراء الأكفاء من العمالة الأجنبية. وبالمقابل سيكون وجود العمالة الأجنبية الماهرة في السعودية عاملاً رئيساً لزيادة مساحة المنافسة الذي يعد الشباب السعودي الماهر هو أول المستفيدين منها..
بشكل عام فإن مسألة وجود عمالة أجنبية له وجه حسن حيث تنتقل الخبرات وتزيد مرونة التعامل على النطاق العالمي وهو جزء من الانفتاح.
ولكن أن يقوم بلد بالتخلص من العمالة الأجنبية دون أن يكون هناك من يحل محلها من المواطنين أمر غاية في الصعوبة. أما إذا ما تمكنت الدولة من الحصول على عمالة محلية مدربة تدريباً جيداً فإن فكرة الإحلال ستكون صائبة.
* في ظل المتغيرات والتحولات الاقتصادية التي تعصف بالعالم أجمع في الوقت الراهن...ما هي (خارطة الطريق) التي ينبغي لدول المنطقة والمملكة على وجه الخصوص اتباعها لتعزيز قدراتها في التعاطي مع تلك المتغيرات؟
- التعامل مع المتغيرات الاقتصادية يتطلب وجود المرونة المناسبة في المقام الأول باعتبار أن وجود الشفافية في القوانين والأنظمة يزيد من قدرة الدولة على التواؤم والتعامل مع المتغيرات على مختلف أنواعها ويأتي في مقدمة الحلول التي تتضمنها خارطة الطريق من وجهة نظري زيادة قدرة المملكة على التعامل مع المتغيرات العصرية وعلى رأس الأولويات يأتي الارتقاء بمستوى التعليم وزيادة التركيز على التدريب والتطوير للحصول على أيدٍ ماهرة في سوق العمل السعودي الأمر الذي ينعكس على الطاقة الإنتاجية للمملكة وتعزيز مكانتها بين دول العالم.
كما أن وجود التخطيط الإستراتيجي من أهم الأشياء التي تخدم بناء المستقبل الوطني حيث لا يفوتني أن أؤكد على أهمية بناء البنية الصناعية السليمة. وهذه حلقة تعود بنا الى أهمية توفير اليد العاملة الماهرة التي لن نتمكن من توفيرها دون الارتقاء كما أسلفت بمستويات التعليم والتدريب وتأتي بعد ذلك الإصلاحات الاقتصادية تباعاً من خلال إضفاء المزيد من المرونة وتذليل العقبات التي تواجه رؤوس الأموال الاستثمارية وتوفير المعلومات الكافية التي يطلبها المستثمرون، فمن خلال مثلث التعليم والبنية الصناعية والإصلاح الاقتصادي ستستطيع المملكة رسم المستقبل المثالي الذي يستطيع التعامل مع الظروف الاقتصادية بقدرات أكبر ونفوذ أوسع.
* لنتطرق للنفط الذي يشهد ارتفاعاً في أسعاره خلال الفترة الراهنة وبشكل متتالٍ وسريع، هل لكم تسليط الضوء على أسباب ذلك من وجهة نظركم.. وما هي توقعاتكم لسعر برميل النفط مستقبلاً؟
- هناك أسباب عديدة ساهمت في ارتفاع سعر النفط أهمها زيادة الطلب العالمي، حيث يشهد العالم انتعاشاً كبيراً في اقتصاديات كبيرة مثل الصين والهند رغم احتمالات الركود الاقتصادي في أمريكا. ولو استعرضنا نتائج تلك الارتفاعات على البشر لوجدناها ذات جانب سلبي حيث ارتفع سعر الغذاء عالمياً.
وفيما يخص التنبؤات المستقبلية للنفط فلا يوجد من يستطيع تحديد السعر المستهدف لبرميل النفط بالتحديد، ولكن أكاد أجزم أنه لو ثبت بالفعل دخول الولايات المتحدة الأمريكية في حالة ركود اقتصادي فإن سعر برميل النفط سينخفض حتماً استجابة لحالة الانخفاض في معدلات الطلب العالمي على النفط باعتبار أن أمريكا أكبر الدول المستهلكة للنفط.
كما أن معدلات إنتاج الدول المنتجة لها تأثير على أسعار النفط حيث إن الزيادة أو النقصان في معدلات الإنتاج ذات تأثير كبير على سعر البرميل. وقد تصدر قرارات مفاجئة من هذا القبيل في أي لحظة، وقد تحدث تغييراً كبيراً في الأسعار كما قد تخالف كل من اجتهد وتكهن بسعر محدد للبرميل في المستقبل.
* ختاماً كيف ترى تداعيات الظروف الاقتصادية الراهنة على دول المنطقة؟
- في الواقع أن ما يحدث في العالم أجمع من أزمات اقتصادية قد تلقي بظلالها على دول الخليج بشكل ملحوظ، وقد رأينا انعكاسات أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية على أسواق العالم الاقتصادية المختلفة نظراً لحجم الاقتصاد الأمريكي وتأثيره الكبير عالمياً.
وقد تسببت المشكلة في شح السيولة الاستثمارية في أمريكا نتيجة عدم قدرة المواطنين على سداد قروضهم التمويلية الأمر الذي تسبب في زيادة معدلات البطالة نتيجة فقدان العاملين في المجال العقاري لوظائفهم ومحاولتهم البحث عن مجالات عمل أخرى إضافة الى انخفاض أسعار العقار في أمريكا. وكل هذه التداعيات لا تصب في صالح المسيرة الاقتصادية الأمريكية الأمر الذي قد يؤثر على الاقتصاد العالمي برمته والخليج جزء من العالم. ولكنني ومع كل هذا أجد مبرراً للتفاؤل بمستقبل الخليج اقتصادياً من خلال الارتفاعات التي شهدتها أسعار النفط وهو مصدر الدخل الرئيس لبلدان الخليج..