تحليل: د. حسن الشقطي
مرّ سوق الأسهم خلال الأسبوع المنصرف بأزمة هبوط حادة على مدى ثلاثة أيام تخلّلها ارتداد طفيف يوم الاثنين الماضي، ثم إغلاق على صعود يوم الأربعاء الماضي .. وقد تمكن المؤشر يوم الأربعاء من تعويض جزء كبير من خسائره، ولم يتبق سوى خسارة طفيفة بحوالي 51 نقطة .. إلا أنه رغم الارتداد القوي يوم الأربعاء، فإنّ هوية المسار لا تزال رمادية ما بين إيجابية تطلع المستثمرين في استغلال الأسعار الجذابة لكثير من الأسهم الاستثمارية التي تدنّت مكرراتها كثيراً خلال شهر ماضي الماضي، وما بين سلبية مخاوف المتداولين من الهيكل الجديد وتعرج السيولة في ظل أيام طرح مصرف الإنماء .. فأيهما يتفوّق على الآخر؟ أيضاً من الأمور المثيرة للجدل هذا الارتداد القوي يوم الأربعاء، ذلك اليوم الذي يسبق تطبيق الهيكل الجديد مباشرة .. فكيف حدث؟ فهل استوعب المستثمرون صدمة الهيكل الجديد؟ أم حدث تفاعلاً مع الارتداد الأول لسهم إنعام بعد طول خسائر أم دعماً بسابك التي ربحت 6%؟.
سابك تقود ارتداد الأربعاء
لقد جاء ارتداد الأربعاء بشكل مفاجئ وجاء قوياً، وجاء في اليوم الأخير قبل تطبيق الهيكل الجديد، وحدث هذا الارتداد بقيادة سابك التي ربحت 5.6%، وتأتي هذه الربحية في ظل بدء التكهنات بنتائج أعمال إيجابية للشركة .. ولكن هل هذه التكهنات يمكن أن تعكس اتجاه السهم في مثل هذا الوقت؟ بالطبع هذا غير صحيح، لأن تحركات سابك يوم الأربعاء باتت مضاربية أكثر منها استثمارية، فما الذي حدث وكيف تجددت المضاربة فجأة على سهم سابك ليقود المؤشر في صعود وارتداد قوي في آخر يوم قبل تطبيق الهيكل الجديد؟
نشر بيانات عن ملكية الصناديق الحكومية تعزِّز المضاربات على سابك!
لم يطرأ على السوق أي تغيرات هامة يوم الأربعاء الماضي سوى تقرير صحفي نشر حصص ملكية الصناديق الحكومية في شركات الأسهم المدرجة في السوق .. هذا التقرير يمكن أن يكون قد لعب دوراً جوهرياً في انتشال المتداولين من الغرق في مخاوفهم الشديدة نتيجة تحرير حصص الأسهم وبالتالي تحرير مؤشر السوق، بل إنّ هذا التقرير أزال مخاوف كبيرة من أن يصبح السوق بلا صانع نتيجة إخراج الحصص الحكومية من حساب المؤشر، وأيضاً من حركة التداول. الكل يعلم أن معنى التحرير التام للأسهم والمؤشر هو مزيد من تقديم صغار المستثمرين لكبارهم على أطباق من فضة، وتزداد هذه المخاوف في ظل عدم الإعلان حتى الآن عن وجود صانع سوق .. قد يقول قائل طالما أن حصص الحكومة سيتم تجنيبها .. فما هي قيمتها في حفظ وصيانة المؤشر؟ نعم هذه الحصص سيتم تجنيبها، ولكن لأمد محدد أو معروف .. وسيكون بالإمكان تحريكها أو إدخالها في حركة التداول أو البيع منها أو الإضافة إليها في ضوء رؤية المستثمر (الحكومة) .. فهذه الحصص لا يعقل ولا يصدق أنها ستظل جامدة مهما اختلفت الظروف والمتغيرات .. بمعنى أن نشر هذه الحصص أدى إلى حركة شراء كثيفة لسابك والعديد من الأسهم الاستثمارية الأخرى التي اطمأن فيها المستثمرون لبقاء الحكومة وعدم خروجها .. ولكن التساؤل الذي يثير نفسه .. هل هذه الحصص المعلن عنها هي حقيقية؟ ولماذا لم يصدر بها تصريحات رسمية؟
التراجع الدراماتيكي في السيولة المتداولة منذ 3 شهور.. لماذا؟
قد يصعب تفسير الشكل المرفق أعلاه والذي يظهر مدى التدحرج لمؤشر السوق خلال شهر مارس من قمته في بداية الشهر عند 10291 نقطة حتى لامس مستوى الـ9051 نقطة .. بل قد يصعب تفسير كيف تراجعت قيمة السيولة المتداولة من 329.4 مليار ريال في شهر يناير الماضي إلى مستوى 158.9 مليار ريال في شهر مارس (أي انخفضت بحوالي 52%) .. بالطبع لا يوجد مبرر منطقي أو تفسير علمي سوى الاستعداد للهيكل الجديد .. ولكن هل الهيكل الجديد باعث على هذا الانحدار الحاد في السيولة المتداولة ومن ثم التراجع القوي للمؤشر؟ إن التراجع المثير في حجم السيولة المتداولة على المدى اليومي والأسبوعي وأيضاً على المدى الشهري ليؤكد أنّ ما حدث لم يكن مجرّد تعديل مراكز مالية أو تغيير أوضاع استثمارية، وإنما كان بمثابة خروج لمحافظ استثمارية يعتقد أنّ منها محافظ كبيرة.
لآخر لحظة.. لا يزال الترويج لوهم تأثير الصناديق الاستثمارية مستمراً
هل ما زلنا نسير وراء عواطفنا؟ ألا نعي الدرس؟ للأسف لا يزال البعض يتحدث بأطراف وجهات كلاعبة رئيسية في السوق رغم كل ما نشرته هيئة السوق مشكورة من توضيحات جازمة بنسب مشاركة هذه الأطراف في عملية التداول .. رغم كل ذلك لا يزال يخرج علينا من يقول ويؤكد أن الصناديق لعبت الدور الأكبر في إضعاف حركة التداول يوم كذا أو تقويها يوم كذا .. كيف يكون هذا التأثير وهذه الصناديق مجتمعة لا تؤثر في الشراء أو البيع سوى بنسبة ضئيلة لا تتجاوز 1.7%.
السوق رهن بنتائج
أعمال الشركات.. أسعار النفط
قوة واتجاه مؤشر السوق سيكون خلال الفترة المقبلة من شهر أبريل رهن بعدّة عوامل، أهمها نتائج أعمال الشركات المدرجة، ومدى التغيرات التي تطرأ على أسعار النفط، وأيضاً مدى مجريات الأحداث فيما يتعلق بالتضخم المحلي والانكاش الأمريكي .. نتائج أعمال الشركات تشير إلى تفاؤل بالقطاع الصناعي لا يحد منه سوى بدء تراجع أسعار النفط وخاصة بالنسبة لشركات البتروكيماويات .. أيضاً يوجد هناك مخاوف من نتائج أعمال البنوك في ظل المنافسة من البنوك الأجنبية الجديدة وأيضاً نتيجة انخفاض أدائها .. كما أن التضخم المحلي يمكن القول بأنه بدأ يؤثر إيجابياً على كثير من شركات الأسهم نتيجة تزايد الدعم الحكومي.
رغم صعود الأربعاء.. أصعب ثلاثة أيام على السوق
السبت والأحد والاثنين يمكن القول بأنها أيام جد عصيبة ينتظر أن تمر على المتداولين .. ولعل كل يوم يمر به السوق من هذه الأيام وهو متماسك فإنه يضعف احتمالات تأثره السلبي في الأيام التالية .. بمعنى لو استطاع السوق تجاوز يوم السبت المقبل بتماسك، فقد يسهل تماسكه يوم الأحد .. كما أن تماسكه يوم الأحد يزيد من قدرته على التماسك يوم الاثنين .. والعكس صحيح، فاضطراب المؤشر يوم السبت قد يعرضه لاضطراب أكبر يوم الأحد، وقد يدفعه لهبوط قوي يوم الاثنين.
الهيكل الجديد وتوقُّعات بضخ سيولة استثمارية من الشركات والأجانب لأول مرة
رغم المخاوف الكبيرة من الهيكل الجديد للسوق، ورغم المسار الهابط الذي سار فيه المؤشر خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، إلا أن كافة التوقعات تشير إلى أن السوق بشكله الجديد سيصبح قادراً على جذب سيولة استثمارية حقيقية .. ولنأخذ تجرب أحد الأسواق الإقليمية القريبة، والتي تتوزع قيمة التداول كما يلي: (45% أفراد، 55% شركات) .. (68% مواطنون، 32% أجانب) .. إن الهيكل الجديد إنما يسعى لتعزيز مشاركات حقيقية ومعنوية من جانبي الشركات وأيضاً الأجانب بالشكل الذي يؤدي إلى توزيع الخطر على أكبر عدد ممكن من المساهمين، وبالتالي يحقق الثقل المطلوب للسوق ومؤشره، ومن ثم يبعده عن مشكلات المزاجية والاحتكار والاستحواذ والتجمعات وغيرها من المشكلات التي ما زال يعاني منها حتى هذه اللحظة .. إلا أن هذا التأثير يتطلب بعض الوقت .
حيث يتوقع أن يشهد السوق إقبالاً شرائياً على المدى من القصير إلى المتوسط، وخاصة في ظل الإعلان عن قرب إصدار أدوات استثمارية جديدة من قِبل الهيئة، تلك الأدوات التي يعتبرها المستثمرون مكملات طبيعية لسوق الأسهم.
محلل اقتصادي
hassan14369@hotmail.com