شرم الشيخ - «الجزيرة»
دعا سمو الأمير الدكتور تركي بن محمد بن سعود الكبير، وكيل وزارة الخارجية للعلاقات المتعددة الأطراف، دول الشرق الأوسط وآسيا إلى الإفادة من الفرص التي يتيحها ما تتمتع به من معدلات نمو عالية لدفع التعاون بين المنطقتين إلى الأمام..
وحذر سموه لدى إلقائه كلمة المملكة أمام الاجتماع الوزاري الثاني للحوار الآسيوي الشرق الأوسطي من أن أية حالة من التوتر في المنطقتين سوف تنعكس سلباً على المنطقة الأخرى..
وفيما يأتي نص الكلمة:
تمر منطقتانا بمتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية، تزداد سرعتها، وتتعقد صلاتها ومؤثراتها؛ لذا فإننا جميعاً مطالبون بالتعاون الجاد في سبيل إيجاد مناخات صحية لبناء علاقات سلمية ومتوازنة بين الدول، أساسها احترام الشرعية الدولية وحل النزاعات بالطرق السلمية على نحو يكفل العدل ويرسخ الثقة المتبادلة ويحقق الشراكة الحقيقية، ويستدعي منا مواجهة تحديات المستقبل بإرادة أكثر صدقاً في الالتزام، وأسلوب أكثر موضوعية في التناول، وآليات أكثر فعالية في التنفيذ؛ ما يعود بالخير على البشرية جمعاء.
وإننا في دول الشرق الأوسط إذ نقدر علاقتنا مع أصدقائنا الآسيويين الذين تربطنا بهم علاقات تاريخية راسخة تسمو على المصالح المادية والمنافع الآنية، بما يؤكد العلاقات المتميزة التي تجمعنا، فإننا نتطلع بأمل كبير إلى ما سيتمخض عنه اجتماعنا هذا من نتائج تعمل على ترسيخ الحوار والتعاون بهدف تحقيق مصلحة الطرفين.
كما أننا نؤكد أهمية تعزيز التواصل والتقارب بين دولنا؛ لما في ذلك من دعم لعلاقات التفاهم المشترك بين المنطقتين على المستويات الرسمية والشعبية، ويساهم في تعميق روابط التعاون بين دولنا في جميع المجالات السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
السيد الرئيس..
تشهد اقتصاديات العديد من الدول الآسيوية ودول الشرق الأوسط معدلات نمو مطرد، وهو ما يتيح الفرصة لمزيد من التعاون بين دول المنطقتين. ولكنه لا بد من الإشارة إلى أن أية حالة من التوتر أو عدم الاستقرار في أي من المنطقتين سوف تنعكس سلباً على المنطقة الأخرى؛ ما يؤدي إلى تباطؤ معدلات النمو وبرامج التنمية.
إن نظرة عابرة إلى الأوضاع السائدة في الشرق الأوسط تُبيّن لنا مدى دقة هذه الأوضاع وخطورتها؛ حيث يستمر الاحتلال الإسرائيلي جاثماً على الأراضي العربية المحتلة محولاً كامل المنطقة إلى بؤر متعددة للعنف والاضطراب؛ ما يتسبب في معاناة إنسانية مستمرة للفلسطينيين، بما تنشره هذه المعاناة من مشاعر اليأس وتوجهات التطرف.
لقد باتت الحاجة ملحة إلى رؤية جديدة تتلافى العوائق والمصاعب الماضية، وفي هذا الإطار فإن مبادرة السلام العربية تمثل فرصة تاريخية لاستئناف مسيرة السلام بجدية بما يكفل تحقيق النجاح المطلوب، حيث إنها تتيح لجميع الأطراف المعنية التفاوض على أساس واضح ومتوافق مع قرارات الشرعية الدولية. لقد تعهدت جميع الدول العربية دونما استثناء بإنهاء الصراع المزمن في الشرق الأوسط والدخول في اتفاقية سلام تتيح الأمن والاعتراف بين الأطراف وإقامة العلاقات الطبيعية بين جميع دول المنطقة على أساس الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة منذ عام 1967م وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وما تضمنته المعاهدات الثنائية، كما التزم العرب ولأول مرة بالتوصل إلى حل متوافق عليه بشأن مشكلة اللاجئين.
إنَّ المملكة العربية السعودية، جنباً إلى جنب مع أشقائها العرب، شاركت في المؤتمر الدولي للسلام الذي عقد في أنابوليس بناء على دعوة فخامة الرئيس الأمريكي، وأكدت على أهمية الحوار بين الأطراف المعنية والتوصل إلى حل نهائي للموضوعات الرئيسية التي تشمل القدس، المستوطنات، الحدود، اللاجئين، السجناء والجدار العازل، حيث يتم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة وقابلة للحياة، تعيش بأمن وسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل. وقد رحبت القمة العربية العشرون بدمشق بالعرض الروسي لعقد مؤتمر متابعة لمؤتمر أنابوليس على أراضيها. ومن نافلة القول أن نجاح المؤتمر يتوقف على التعاطي المباشر والواضح بين هذه الأطراف مع تلك العناصر الأساسية للحل الشامل لجميع المسارات، وفي إطار زمني معقول ومحدد.
السيد الرئيس..
إنَّ استمرار عدم استقرار الأوضاع في العراق لا يزال يتسبب في معاناة للشعب العراقي، ويعيق عملية التنمية وإعادة الإعمار.
لقد أكدت المملكة العربية السعودية دائماً على ضرورة احترام وحدة وسيادة واستقلال العراق والمحافظة على هويته وسلامته الإقليمية والامتناع عن التدخل في شؤونه الداخلية ورفض أي دعاوى لتقسيمه.
إنَّ التزام الحكومة العراقية وكافة القيادات العراقية بتنفيذ التعديلات الدستورية والقانونية والسياسية والاقتصادية سوف يساعد على إقناع العراقيين بأنهم يتمتعون بحقوق متساوية وبحماية عادلة من جميع مظاهر العنف ضدهم.
كما أن المصالحة الوطنية بين جميع فئات الشعب العراقي وتوسيع العملية السياسية بما يحقق مشاركة أوسع لمختلف مكونات الشعب العراقي، بالإضافة إلى القضاء على كافة المظاهر المسلحة بما فيها مختلف المليشيات، ستشكل أساساً مهماً لاستقرار العراق.
السيد الرئيس..
يمر لبنان اليوم بأزمة سياسية حادة؛ حيث يقف على مفترق طرق صعب: إما التوافق أو الفوضى. وعندما تتبلور مبادرات جادة لتحقيق الوفاق الداخلي نجد أن هناك مَن يحاول تعطيل هذه المبادرات ومنع التوافق بين اللبنانيين.
وإننا إذ نشعر بقلق عميق من جراء استمرار الأزمة السياسية في لبنان التي تتغذى من تدخلات خارجية لا تريد للبنان واللبنانيين الخير والاستقرار، بل تسعى لاستباحته وتحويله ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، فإننا نؤكد على أهمية تنفيذ المبادرة العربية المتضمنة في البيانين رقم 113 ورقم 116 الصادرين عن مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دوراته غير العادية بشأن الوضع في لبنان، التي تعتبر خطة متكاملة ومتوازنة؛ فهي تنص على الدعوة إلى انتخاب الرئيس التوافقي العماد ميشيل سليمان، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، والعمل على صياغة قانون جديد للانتخابات النيابية فور تشكيل الحكومة.
وقد حاولت المملكة بدأب منذ بداية الأزمة الوصول إلى حل توافقي يحفظ مصالح الجميع، واستثمرت في ذلك تأثيرها على الساحة اللبنانية الناجم عن عضويتها في اللجنة الثلاثية المشكلة من القمة العربية لوقف الحرب الأهلية، ورعاية المملكة لاتفاق الطائف، ودعمها الاقتصادي المستمر للبنان وإعادة إعماره، وأيضاً انطلاقاً من واجبنا القومي تجاه دولة عربية شقيقة، دون أن يكون هنالك للمملكة أي أهداف أو أطماع أو مخططات غير معلنة سوى تجاوز لبنان لمحنته، وتحقيق أمنه واستقراره وازدهاره، وذلك ما يدركه كل اللبنانيين.
كما نؤكد على ضرورة انصياع إسرائيل للقرارات الدولية وإكمال انسحابها من كافة الأراضي اللبنانية دون استثناء، وضرورة أن يعمل اللبنانيون جميعهم على وحدة الصف اللبناني وتعزيز الأمن والاستقرار وتغليب الشرعية والعقل والحكومة ولغة الحوار لتجاوز الظروف الحالية التي من شأن استمرارها المساس باستقرار لبنان ورفاهة ووحدته الوطنية واستقلال قراره السياسي.
السيد الرئيس..
إنَّ أسلحة الدمار الشامل لا تزال تشكل مخاطر جدية ووخيمة على السلم والأمن الدوليين، سواء تم استخدامها في الحروب أو الابتزاز بين الدول، أو تملكتها مجموعات إرهابية.
إنَّ المعالجة الفعّالة لمشكلة انتشار أسلحة الدمار الشامل تتطلب التخلي عن ازدواجية المعايير؛ ولذلك نؤكد على أهمية خلو منطقة الشرق الأوسط برمتها، بما فيها منطقة الخليج، من أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية. فإسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة نووية ولا تخضع مطلقاً لأي شكل من أشكال الرقابة.
وعليه نهيب بالمجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لإخضاع منشآتها النووية للتفتيش الدولي والتصديق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT).
وإننا في الوقت الذي نؤيد فيه حق جميع الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، بما في ذلك الحصول على المعرفة والتقنية النووية السلمية، فإننا ندعو إيران وجميع دول الشرق الأوسط إلى الاحترام الكامل والدقيق لالتزاماتها الواردة في العهود والمواثيق الدولية القائمة التي تفرض ضوابط محددة على جميع البرامج النووية. ونأمل أن تتجاوب إيران مع الجهود الدولية الساعية إلى تحقيق نهاية سلمية وسريعة لمشكلة البرنامج النووي الإيراني، على نحو يجنب المنطقة سباقات تسلح عبثية ومخاطر بيئية جدية. فالسلام والأمن في المنطقة لا يتحققان عن طريق الحصول أو تطوير أسلحة الدمار الشامل بل عن طريق الإقرار بالمصالح الحيوية للطرف الآخر والإحساس بقلقه ومشاغله الأمنية.
السيد الرئيس..
إنَّ ظاهرة الإرهاب الدولي باتت مصدر خطر على الجميع، وما زالت الأعمال الإرهابية تختبر تصميمنا على محاربتها، وتمتحن عزيمتنا على التصدي لها. وإنَّ بلادي، باعتبارها من الدول المستهدفة بالإرهاب، قد أدانت الإرهاب بكافة أشكاله وصوره، وحققت نجاحات ملموسة في التصدي له، وانضمت إلى الاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب، وعقدت المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب بمدينة الرياض عام 2005م الذي تبنى مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، تحت مظلة الأمم المتحدة، حيث إن تبادل المعلومات في وقت مبكر والخبرات هو الطريق الأمثل لاستباق خطط الإرهابيين الشريرة وتجفيف مصادر تمويلهم ومواجهة فكرهم المتطرف.
ومن المهم في هذا الصعيد إعادة التأكيد على أنه لا يوجد دين يدعو إلى الإرهاب، وأن الأديان كلها تدعو إلى القيم النبيلة والتسامح والتعاون والحوار البنّاء لصالح المجتمع البشري، ولا يصح تحميلها أوزار بعض الضالين من المنتسبين إليها.
السيد الرئيس..
إنَّ المعاناة الإنسانية الناتجة عن الفقر والجوع وسوء التغذية وانتشار الأوبئة والأمراض ومخاطر الكوارث الطبيعية تؤثر بالضرورة وبشكل أكبر في المجتمعات الأكثر احتياجاً؛ ما يحتم على المجتمع الدولي القيام بمسؤولياته في هذا الشأن بتضافر الجهود وتنسيقها وإعطاء جهود معالجة هذه المعاناة الإنسانية الأولوية اللازمة. ولقد قدمت المملكة العربية السعودية، وهي دولة نامية، حوالي 4 في المائة من إجمالي ناتجها الوطني خلال العقود الثلاثة الماضية كمساعدات اقتصادية رسمية، وهي أعلى نسبة في العالم. وفي مجال تخفيف عبء الديون تنازلت المملكة عما يزيد عن 6 بلايين دولار من ديونها المستحقة على الدول الأكثر احتياجاً.
ولضمان استمرار النمو الاقتصادي حرصت المملكة على الوفاء بتعهداتها بالنسبة إلى استقرار الأسواق البترولية، فزادت طاقتها الإنتاجية لضمان توافر الإمدادات البترولية الكافية، وللحد من ارتفاع أسعار البترول بشكل غير طبيعي. وقد أسست المملكة منتدى الطاقة، واستضافت أمانته العامة بالرياض ليكون منبراً لبحث أوجه وفرص التعاون والحوار بين الدول المستهلكة والمنتجة؛ لتكثيف التعاون فيما بينها في سبيل استقرار أسواق البترول باعتباره سلعة استراتيجية مهمة لاستمرار النمو الاقتصادي العالمي.
إنَّ بلادي تشارك بكل إيجابية في الجهود العالمية الحثيثة للحفاظ على البيئة ضمن المبادئ التي تحكم العمل الدولي المشترك بوصفها إحدى الدول الموقعة على الاتفاقيات الدولية الرامية إلى الحفاظ على البيئة، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي وبروتوكول كيوتو، وهي تسعى إلى أن يتبنى العالم قرارات بيئية إيجابية تحافظ على البيئة من جهة وتسهم في النمو الاقتصادي العالمي من جهة ثانية. وتؤكد في هذا الصدد على أن الاستمرار في تطوير تكنولوجيا استخدامات الطاقة سيكون المدخل الرئيسي لمواجهة المشكلات البيئية المتعددة، ومن بينها التغيير المناخي المحتمل.
ومن الضرورة تبني المجتمع الدولي للإجراءات المناسبة لمواجهة التغير المناخي وفق مبدأ المسؤولية المشتركة بين الدول المتقدمة والنامية والمنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي.
سيدي الرئيس..
نتيجة للتطورات المتسارعة والاضطرابات الأمنية والصراعات الدامية التي تعيشها الساحة الدولية، فإن العالم اليوم هو أحوج ما يكون إلى تضافر الجهود دولياً؛ بهدف تعميق الحوار ورفع مستوى التواصل والتفاهم بين الأمم والحضارات، وتأصيل ثقافة السلام بما يحقق احترام الإنسان لأخيه الإنسان، ويرسخ مبادئ العدالة والتسامح والمساواة، وينبذ العنف والظلم والتمييز العنصري.. ويأتي في هذا الإطار الدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية لإقامة حوار بين الأديان، التي لقيت ترحيباً واسعاً من جانب القيادات الدينية المختلفة والمجتمع الدولي؛ بهدف خلق حوار بنّاء يخدم البشرية. ولا أصدق من ذلك غير اللقاء التاريخي ببابا الفاتيكان الذي اعتبره الفاتيكان لقاء تاريخياً يمهد الطريق لمزيد من النقاشات الموسعة حول إقامة حوار بين الأديان والحضارات المختلفة لتعزيز السلام والعدالة وإرساء القيم والأخلاقيات. وقد شدد - حفظه الله - على أن نداءه هذا موجه للعالم بأسره. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته