نهجت اليابان في العقود الأخيرة سياسة انفتاحية نحو العالم الإسلامي, وبالتحديد نحو الوطن العربي، وقدمت مبادرات لتحقيق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، وسعت لتثبيت الاستقرار في المنطقة. فاليابان التي ازدادت علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع دول المنطقة، خصوصاً بعد ازدياد اعتماد اليابان على نفط المنطقة، حيث تنتج الدول الإسلامية قرابة 80% من النفط المنتج عالمياً، كما أن أسواق المنطقة هي الأكبر والأكثر ربحاً للمنتجات اليابانية، إضافة إلى أن اليابان ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية تلتزم بسياسة دولية يمكن وصفها بالسياسة الأخلاقية والإنسانية، فهي دائماً إلى جانب القضايا العادلة، لا تحبذ إنتاج الأسلحة ولا تشارك في تطويرها، وترفض إرسال جنودها إلى مناطق الحروب، وتشارك في المنتديات والحوارات التي تعمق ثقافة السلم والحوار التي كان آخرها مشاركتها في 23 إلى 25
مارس الماضي في الدورة السادسة لحوار الحضارات بين العالم الإسلامي واليابان التي عقدت في الرياض برعاية وزارتي الخارجية في المملكة العربية السعودية واليابان التي شهدت إطلاق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرته بالدعوة إلى حوار الأديان الموحّدة الثلاث, كما حفلت الندوة بمداخلات إيجابية ومثمرة شارك فيها مفكرون يابانيون وإسلاميون ركزوا فيها على أهمية التفاهم والثقة المتبادلة وتأييد التواؤم بين اليابان والدول الإسلامية بغض النظر عن الخلافات الثقافية والدينية, ما يعزز مسعى الطرفين بناء علاقات بناءة بين المسلمين واليابانيين والتعايش السلمي بينهما.
هذا المنحى الأخلاقي المستمد من ثقافة الطرفين لم يرضِ الإسرائيليين الذين يريدون الإبقاء على ثقافة الكراهية وتشجيع الحروب، فقبل ندوة الحوار الياباني الإسلامي التي كان تاريخ انعقادها معروفاً للإسرائيليين, ولذلك عمل الإسرائيليون من خلال رئيس حكومتهم على تشويه المقصد الياباني من خلال قيام إيهود أولمرت بزيارة عاجلة إلى طوكيو في نهاية شهر شباط الماضي لإقناع الحكومة اليابانية على ضرورة التقرب العسكري والسياسي والتعاون في كافة المجالات بين البلدين واقترح أيضاً التعاون العسكري (تحديث اختراعات عسكرية إسرائيلية بفضل الدعم المالي الياباني) وتعميق الحوار الثنائي بخصوص أنظمة الدفاع الجوي وبخصوص معارضة تهديدات انتشار الصواريخ من جانب كوريا الشمالية وإيران وسوريا المسمى دول (محور الشر).
والواضح أن تلك الطموحات الإسرائيلية ليست إلا محاولة من تل أبيب لترسيخ تفوقها الإستراتيجي في مواجهة العالم الإسلامي، لكن في الوقت نفسه ليس من الواضح لماذا يناقش هذه الملفات مع إسرائيل التي تمارس عمليات عدوانية ضد الأراضي الفلسطينية تؤدي إلى ضحايا عديدة بين الناس الأبرياء.
وكما يبدو، فعلى اليابان التي شهدت كارثة نووية في مدينتي هيروشيما وناهاساكي أن تفكر جدياً بصدد تطوير العلاقات وخاصة في المجال العسكري مع الدول الممارسة لسياسة إبادة الناس بالجملة.
ومن الممكن الافتراض أن اليابان لا تفكر في هذا الأمر وهي تسعى إلى وساطة عادلة في قضية الشرق الأوسط، فقد تصطدم سياستها بعدم الثقة من قبل الدول العربية الأمر الذي قد يؤدي إلى فشل مشروعاتها الاقتصادية في الشرق الأوسط وكذلك إلى فشل مبادرتها حول خلق (ممر السلام والازدهار) في الأراضي المجاورة بفلسطين وإسرائيل والأردن.
وينبغي ألا ننسى أن واشنطن تسعى إلى تأمين التفوق الإسرائيلي في المنطقة وتجريد الدول العربية المواجهة لتفوق إسرائيل من التأثير.
وتحاول واشنطن عبر تشجيع التقرب بين اليابان وإسرائيل وضع حد للاستثمارات اليابانية في الدول العربية وكذلك تحاول تشويه المصالح اليابانية الاقتصادية والسياسية في العالم الإسلامي بصورة غير علنية لأن واشنطن تعتبر طوكيو منافساً خطيراً للشركات الأمريكية في المنطقة.
وهنا يظهر بوضوح أن اليابان إذا أرادت أن تحافظ على مصالحها فيجب عليها التمسك بنهجها الأخلاقي الذي تعززه الحوارات الجادة مع الدول الإسلامية وليس تطوير الأسلحة لقتل الأبرياء من المسلمين كما تريد إسرائيل توريطها في هذا العمل غير الإنساني.