كثيراً ما يكتب خبراء الإدارة والمتمرسون في عالمها عن تجاربهم في هذا الحقل الذي من خلاله قد ترتقي المؤسسات إلى أعلى المراتب أو تهوي إلى الدرجات الدنيا،
لكن يندر أن يكتب أحد من هامش الإدارة أو من متلقيها عن عالمها العجيب وعن قدراتها السحرية على كشف خفايا وأسرار النجاح في الحياة العملية.
الإدارة عملية اجتماعية مستمرة لغرض استغلال الموارد استغلال أمثل من خلال طرق التخطيط والتوجيه والرقابة للوصول إلى الأفضل... هي العملية التي يمكن بواسطتها تنفيذ غرض معين والإشراف عليه حتى يتم تحقيق الهدف، أي أنها حركة تطوير وتحديث يجب أن تتميز بالإيجابية والطموح التي من المفترض أن يكونا من أهم صفات القيادة الإدارية.
المديرون بدون صفات قيادية تجتاز الحواجز بينهم وبين موظفيهم أقرب لمدورين لشؤون موظفيهم وليس مديرين لهم، وجذر كلمة الإدارة مشتق من يدير أو أدار، وليس من يدور أو دار، وهما ما يعني أنه فن يعني بإدارة الأفراد والعمل من أجل الحركة إلى الأمام والتحديث وتحسين الإنتاج، وليس من أجل غرض تدوير الأمور ثم إعادتها إلى حيث كانت...
يقدم بعض الأكاديميين الإدارة على أنها علم يتم تلقيه في أرقى المعاهد والجامعات في العالم، بينما يرى آخرون أن النجاح الإداري مرهون بالصفات القيادية، ومرتبط بالاستقرار النفسي للشخصية الإدارية إذ لا يمكن أن يتولى منصب قيادة إدارية شخص يفتقر إلى صفة التواصل مع الآخرين، أو شخصية انطوائية عاجزة عن ابتكار أساليب جديدة للتواصل مع زملائه في محيط العمل، وغير قادرة على إيجاد حلول للإشكاليات في الحياة العملية..
فشل الشخصية الإدارية في التعامل الإيجابي مع الآخرين يؤدي إلى اختطاف مفاهيم الإدارة الحديثة من الواقع إلى المنفى، وبالتالي يتحول موقعها الإداري إلى حصن منيع ضد الآخرين، وإلى سرداب تتجمع فيه الأوراق والملفات السرية.. ثم تبدأ مرحلة هروب العاملين من مواجهة هذا النمط السلبي من الشخصية الإدارية، بعدما اكتشفوا أنها تتقن جيداً فن ربط وتعقيد الأمور، لا تطوير شؤونهم العملية..
إدارة المؤسسة من وراء حجاب أو من المنفى الذاتي يؤدي إلى التوتر وسوء الفهم في محيط العمل، وإلى خروج إدارة متسلطة وفاشلة في إدارة المشاكل، ولأنها انطوائية وخائفة من مواجهة العاملين، تصبح عاجزة عن التواصل معهم، وتضطر إلى استخدام زوايا ضيقة للتخاطب، وتهرب من مواجهة العامل أو من أسلوب حل الإشكاليات في ميدان العمل من خلال الاتصال المباشر والتفكير بصوت عالٍ...
كذلك لا يمكن لشخصية غير منتجة في تاريخها العملي والمهني أن تتحول بين ليلة وضحاها إلى مدير ناجح حسب المقاييس المتعارف عليها، كذلك من ضرب المستحيل أن تنجح شخصية في الإدارة فقط لأن لها صلة قرابة مع شخصية إدارية مرموقة أو ذات نفوذ، وإن حدث فتلك نادرة يجب أن توثق، والمتوقع حدوثه في أغلب الأحيان أن يصبح هذا الكائن الإداري غير الكفء مانعاً من الأسلاك أو القرارات الشائكة ضد محاولات الآخرين للتطور والنجاح في حياتهم العلمية...
من مهمات المديرين الناجحين إيجاد حلول للمشاكل اليومية التي تواجه زملاءهم في العمل، لكن من الضروري أيضاً أن لا تتحول مهماتهم الإدارية إلى مكاتب لفك الاشتباكات بين الموظفين، فالغرض الأساسي في مهمته يجب أن يكون مساعدة الآخرين على النجاح في حياتهم المهنية، وتطوير قدراتهم.. والبحث عن الإبداع الذي تم إنتاجه في الظل بعيداً عن فلاشات الكاميرا الإعلامية، إذ عليهم أن يدركوا جيداً أن كثيراً من موظفيهم لا يجيدون فن إدارة (الدعاية) الإعلامية لتسليط الضوء على نجاحاتهم، لكنهم يجيدون العمل والإبداع في الظل، ولكي يستمرون في إبداعاتهم لابد من البحث عنهم في الأماكن البعيدة، ثم منحهم تقدير من فئة الإحسان، والإدارة الناجحة هي التي تستطيع رؤية علامات الإبداع والجودة في زوايا الظل، وإن غاب مبدعوها عن ساحة الفلاشات الإعلامية..
تظل المصداقية والموضوعية من أهم سمات الإداري الناجح، وذلك من أجل كسب ثقة الآخرين، كما يجب أن تتصف الشخصية الإدارية بالقدرة على بث روح التفاؤل، ومهارة تعزيز العلاقة مع الآخرين، وكسب تأييدهم، بينما الفشل هو مصير من ينحاز إلى فئة أو إقليم أو إلى حماية مكتسباته المهنية في الماضي... قد يقع الإداري في فخ الانحياز بدون وعي عندما يفشل في التحرر من عواطف تجاربه المهنية السابقة، والتي قد تكون مشحونة إما بعواطف إيجابية الغرض منها حماية مصالحه مع زملائه الأقرب، أو تكون مفعمة بالمشاعر السلبية ومدججة بسلاح الانتقام تجاه رفقاء الأمس..
عالم الإدارة في المراكز الأكاديمية المتقدمة شائك جداً ويختلف تماماً عن مثلا إدارة المصنع أو الوزارة، والفرق أن مفهوم الإنتاج والعمل يختلف عن المصنع، فالمديرون التنفيذيون في المصانع يديرون عمالة تنتج بضائع يحكمها السوق وقانون العرض والطلب، بينما يدير المدير الأكاديمي زملاءه الذين يعملون جاهدين معه على نفس المستوى من أجل فرص متكافئة...