لأسرة آل نفيسة صلة قوية بالدولة السعودية منذ بزوغ فجرها على يد الإمام محمد بن سعود (مؤسس الدولة السعودية الأولى) عام 1157 هـ في العقد الذي أبرمه مع الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب في رفع راية التوحيد والوحدة، فجذور هذه الصلة قوية وغراسها متينة وسقيها مستمر ودائم؛ وقد عبر أحد المؤرخين السعوديين عن قدم ومتانة هذه العلاقة بقوله: |
(أسرة آل نفيسة من أكبر العوائل الموالية لآل سعود منذ القدم، كما اشتهروا بالولاء للدولة السعودية الأولى ومتابعتها في نشر رسالة التوحيد والوحدة والدفاع عن العقيدة السلفية، ولهم ذكر عطر في تاريخنا المحلي)1 |
وقال الآخر: (آل نفيسة أسرة كبيرة منتشرة في أنحاء المملكة والبلدان المجاورة لها، بيتهم بيت علم وأدب، ظهر منهم العديد من رجالات الوطن الذين ضحوا لأجله، وقد عرفت هذه الأسرة منذ القدم بوطنيتها وانتسابها إلى تراب الوطن الغالي، وقد سجلت هذه الأسرة صفحات مضيئة بالوطنية والعمل لأجل الوطن)2 |
وعبر عهود الدول السعودية الثلاثة قدم آل نفيسة أروع النماذج في التضحية والفداء -بالنفس والمال- وفي الوفاء والصدق تجاه ولاة أمورهم. |
|
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها |
والجود بالنفس أقصى غاية الجود |
فيذكر المؤرخ الكبير (حسين بن غنام) في تاريخه خمسة رجال من أسرة آل نفيسة أرخصوا الديار والأموال في سبيل اللحاق بركاب الدولة السعودية الأولى في بداياتها بهجرتهم الرياض ومنفوحة إلى الدرعية عام 1168هـ(3)، وشارك رجال أسرة النفيسة مشاركة طيبة في توسيع رقعة الدولة السعودية الأولى وامتدادها، وذادوا عن حياضها حتى آخر رمق فيها؛ فلقد صمد أفراد هذه الأسرة ضمن أهالي ضرماء أمام جيش الباشا عام 1233هـ في ملحمة عظيمة دونها التاريخ ووصفها المؤرخون بالقوة والبسالة، وذهب ضحيتها عدد من أفراد الأسرة منهم الشيخ (عبدالرحمن بن علي النفيسة) قاضي ضرماء وأبناؤه عبدالوهاب وحسن (ذيب الفريشة) وغيرهم (4)، |
وقد شارك عبدالرحمن بن حمد بن إبراهيم النفيسي في توطيد حكم الإمام (فيصل بن تركي) مشاركة فاعلة أواخر عام 1249هـ، ووكل إليه الإمام فيصل خزانة بيت المال في الدولة السعودية الثانية (5)، كما اعتقل معه في السجون المصرية في المدة (1254هـ - 1259هـ)(6). |
وكان الشيخ حسين بن علي النفيسة من خاصة الإمام فيصل بن تركي، ومن كبار مستشاريه، كما كان الشيخ حسين يؤمّه في مسجد قصره بالرياض ويلازمه حضراً وسفراً. |
وقُتل عبدالرحمن بن عبدالله بن محمد بن راشد النفيسة -من أهالي حوطة بني تميم- في الحرب التي دارت رحاها بين الإمام فيصل بن تركي وخورشيد باشا في نواحي الدلم عام 1253 هـ(7). |
كما قتل محمد بن عبدالرحمن النفيسي في وقعة أم العصافير عام 1300هـ في صف الإمام عبدالله بن فيصل ضد خصومه (8)، كما شارك عدد من أفراد الأسرة مع الإمام عبدالرحمن الفيصل في وقعة الصريف عام 1318هـ وذهب ضحيتها سليمان بن محمد بن عبدالرحمن النفيسي (9)، وذهب ضحية موقعة المليداء عام 1308هـ بين أهالي القصيم الموالين للإمام عبدالرحمن الفيصل ضد ابن رشيد عدد من أفراد الأسرة منهم تركي بن حمد بن صالح النفيسة من أهالي عنيزة (10). |
وأما في عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ومع بداية استعداده لاسترجاع مجد آبائه وأجداده فقد أجمعت المصادر على مشاركة البطل إبراهيم بن عبدالرحمن النفيسي في فتح الرياض عام 1319هـ (11)، ويذكر الأمير طلال بن عبدالعزيز في كتابه: أن الحاج عبدالله بن حمد النفيسي قد باع دكانه وأعطى ثمنه إلى الملك عبدالعزيز لمساعدته عند خروجه من الكويت إلى الرياض(12)، وقال إبراهيم بن خميس: إن الحاج عبدالله قد رهن مصاغ زوجته في سبيل تأمين ما يلزم من نفقات للملك عبدالعزيز في حملته لفتح الرياض (13)، ووكل إليه الملك عبدالعزيز من ذلك الوقت مهمة تمثيله سياسياً وتجارياً في الكويت دون قيد أو شرط (14). |
وخلال مسيرة الملك عبدالعزيز في توحيد البلاد كان للأسرة مشاركة فاعلة جديرة بالذكر والاهتمام، فلم تخل معركة أو موقعة من المواقع من مشاركة عدد من أفراد هذه الأسرة منذ فتح الرياض وحتى توقفها بعد استتباب الأمن وذيوعه في أنحاء البلاد، ومن أشهر المواقف في هذه المواقع مبادرة (عمعوم) عبدالله بن علي النفيسة في تسلق سور الكوت ليلة فتح الملك عبدالعزيز الأحساء (15)، وكان (عمعوم) مع إخوته عبدالرحمن (الخطيب) وحسين (شاعر الملك عبدالعزيز) ومحمد (حويضر) من أبرز رجالات الملك عبدالعزيز إلى جانب غيرهم من أفراد الأسرة(16)، كالمقاتل إبراهيم بن حسن النفيسة مدير مالية حائل في أول سقوطها عام 1340هـ(17). |
كما كان لأفراد الأسرة في القصيم مشاركة طيبة في المعارك التي خاضها الملك عبدالعزيز في توحيد البلاد منذ معركة البكيرية عام 1322 هـ -التي ذهب ضحيتها صالح بن علي بن شايع النفيسة من أهالي الخبراء ورياضها- إلى ما بعد موقعة السبلة عام 1347هـ، إلى جانب شهرتهم بالشجاعة والفروسية حيث عرفوا باسم (حمول الخيل) واشتهر منهم الحكيم (الطبيب مطلب بن شايع النفيسة) على ما كان عليه من كرم ومروءة نادرة (18): وقد قتل حفيده صالح بن شايع النفيسة عام 1348هـ في فتنة الدهينة حيث كان خازن جباية الزكاة في ذلك العام (19)، كما وقف رجال النفيسة إلى جانب أهل الخبراء في مصابرتهم وبسالتهم أمام حصار ابن رشيد ودولته عام 1322هـ، وذهب ضحية الوهم الذي أصاب أهالي الخبراء من جراء الحصار الفارس المغوار محمد اليوسف النفيسة وغيره (20). |
وفي الحجاز وتحديداً في مكة المكرمة كان الشيخ عبدالعزيز بن علي النفيسي -من مواليد عنيزة- من أبرز الموالين للملك عبدالعزيز حيث كان من كبار تجار مكة المكرمة؛ فقد كان يزود الملك عبدالعزيز قبل فتح الحجاز بالمصاحف والطيب وشموع الإضاءة وغيرها (21)، وكان يأمر رجاله وحاشيته بلبس البشوت المقصبة ويقومون بالعرضة النجدية حال وصول خبر انتصار الملك عبدالعزيز في أحد مواقعه الحربية التي سبقت فتح الحجاز، حتى صودرت بعض تجارته وسجن من حاكم مكة في ذلك الوقت، وكان الشيخ عبدالعزيز النفيسي في مقدمة المهنئين للملك عبدالعزيز حال وصوله مكة المكرمة فاتحاً، وقد عهد الملك عبدالعزيز لابنه علي -الفتى اليافع في ذلك الوقت- يرصد الأخبار السياسية من الإذاعات المختلفة وقراءتها عليه منذ أن كان عمره العاشرة تقريباً واستمر الشيخ علي النفيسي مقرباً من الملك عبدالعزيز وأبنائه الميامين من بعده، حتى وفاته رحمه الله تعالى عام 1424هـ (22). |
ويتقلد رجال من أسرة النفيسة في وقتنا الحالي بعض المناصب الكبيرة في الدولة ومن أمثلتهم: |
1- معالي الدكتور: مطلب بن عبدالله النفيسة وزير الدولة عضو مجلس الوزراء. |
2- معالي الدكتور: عبدالرحمن بن حسن النفيسة المستشار في الديوان الملكي برتبة وزير. |
وهذه إلمامة سريعة وإشارة خاطفة توضح مدى ومتانة هذه الصلة بين هذه الأسرة النجدية وولاة أمرها أوجزتها -مختصراً لها- على سبيل الأمثلة، وإلا فبسط ذلك يطول والمقام يضيق عنه. |
|
|
1- (الستون رجلاً خالدو الذكر) عبدالرحمن بن سليمان الرويشد - ص 73. |
2- (رجال في الذاكرة) عبدالله بن زايد الطويان - ج 4 (ص146 - 148). |
3- (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام) ج2 ص46-47. |
4- انظر: كتابنا (الإعلام بما لآل نفيسة من تاريخ وإعلام) ص81. |
5- (الستون رجلاً خالدو الذكر) ص73. |
6- (رجال في الذاكرة) - ج4 ص147. |
7- (من أخبار القبائل في نجد) -فائز البدراني الحربي- ص260. |
8- وثيقة صادرة من إمارة منطقة الرياض. |
9- انظر كتابنا: (الإعلام بما لآل نفيسة من تاريخ وإعلام) ص184. |
10- (خزانة التواريخ النجدية) عبدالله البسام (ج5 ص176). |
11- (الستون رجلاً خالدو الذكر) - ص(73-75). |
12- (صور من حياة عبدالعزيز) - ص23. |
13- انظر: (أسود آل سعود وتجربتي في الحياة) ص (142-143). |
|
15- (النجم اللامع للنوادر جامع) عبدالله العلي العبيد (مخطوط) ج2 ص175. |
16- (جريدة الرياض) - عدد (10529) وتاريخ: 15- 12-1417هـ. |
17- انظر كتابنا: (الإعلام بما لآل نفيسة من تاريخ وإعلام) ص 206. |
18- انظر كتابنا: (الخبراء ورياض الخبراء) ص (423- 424)، وص (541-542). |
19- انظر: (من سوانح الذكريات) حمد الجاسر، و(شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز) خير الدين الزركلي (ج1 - ص493). |
20- انظر كتابنا: (الخبراء ورياض الخبراء) ص 128، وص (150-151). |
21- مقال قديم بقلم أحمد المحمد الصائغ في (مجلة المنهل). |
22- انظر: (إعلام وأعلام) د.عبدالرحمن الشبيلي - ص (63-65). |
|