بينما الشعلة الأولمبية تأخذ طريقها إلى بكين، اختارت الدول الغربية والولايات المتحدة بالتحديد هذا التوقيت لتصعيد قضية منطقة سكان التبت وهي المنطقة التي تعاني من اضطرابات وقلاقل سياسية، وميول انفصالية عن الصين، بعد أن اعتدنا أن يجعل الإعلام الغربي من شخصية القائد الروحي التبتي (الدلاي لاما) شخصية سلام عالمية بهدف تسليط الضوء بكثافة على الصين والانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان والحريات الدينية هناك، وهي الذريعة المعروفة التي يتذرع بها الكاوبوي الأمريكي في تنظيمه لأمور مستعمراته حول العالم.
بل أن الكثير من المحللين الاقتصاديين يرجعون تدني سعر الدولار الحالي بصورته المقلقة ومستوياته المتدنية التي يراوح فيها الآن، إلى عملية مخاتلة اقتصادية خفية، هدفها ضرب الاقتصاد الصيني الذي غزا العالم ويسيطر على كل بقعة فيه، بعدما أصبح الدولار هو عملة التداول المطلقة لكل السلع العالمية.
وإن كان الكاوبوي الأمريكي يهيمن على العالم من خلال خيوله ومسدسه وضوضائه ووسائل إعلامه، إلا أن الصين الهادئة الدءوبة تسيطر عليه اقتصاديا، وهي السوق القادمة بقوة، والناهضة من سياسات شيوعية قامعة، وفرت البنية التحتية للمصانع واليد العاملة المدربة، والاستعداد اللامتناهي للتطور ودخول مضمار السباق العالمي، جميع هذا يجعل من المارد الصيني القادم يمثل تهديدا حقيقيا لاقتصاد الولايات المتحدة، وبالتالي كان لابد للولايات المتحدة أن تستجلب ذرائع حقوق الإنسان والحريات من أجل أن تدس ليس أنفها بل يدها أيضا, بحجة الحريات، وفي السابق قاطعت الولايات المتحدة الدورة الأولمبية في روسيا بحجة احتلالها لأفغانستان، واليوم وهي نفسها تحتل أفغانستان، فمن سيقاطعها؟ والحريات هي نفس الذريعة التي اتخذتها بريطانيا وفرنسا عام 1881 لشن حرب الأفيون على الصين، فبريطانيا التي كانت تزرع الأفيون في مستعمرتها في الهند، ومن ثم تصدره للصين، ساءها أن يمنع الإمبراطور الصيني دخول الأفيون إلى بلاده، بعد أن أهلك وفتك الكثير من سكان الصين، ولكن قرار المنع لم يعجب بريطانيا وفرنسا آنذاك فقاما بشن حرب الأفيون تحت ذريعة حرية التجارة!! واستمرت تلك الحرب فترة من الزمن إلى أن توصلت الصين لاتفاق مهين مع بريطانيا يتم بمقتضاه تأجير ميناء (هونغ كونغ) إلى بريطانيا لمدة 99 عاما.
الطموح الاستعماري التوسعي لنابليون، وقف على أسوار الصين حذرا مترددا فقال (دعوا المارد الأصفر نائما) فالغرب يعلم دوما الطاقات البشرية والاقتصادية والعسكرية الهائلة التي تكمن خلف سور الصين العظيم.
الحضارة الصينية العريقة هي من أقدم الحضارات في العالم، وهي التي منحت البشرية الكثير من المخترعات التي أسهمت في تقدم البشرية وتحضرها، وتعتبر الأسواق الصينية الناهضة الآن من خدر الشيوعية، هي المرشح الأول للهيمنة على الاقتصاد العالمي، لكثرة مواردها ورخص عمالتها، وإرثها الحضاري الذي يوفر لها قدرات واسعة على النمو والتقدم والهرولة في السباق العالمي.
جميع ما سبق لم يعجب الكاوبوي الأمريكي وحساباته، فحرك ذريعته المعتادة (حقوق الإنسان) ليخلق الحواجز والسدود أمام طوفان المد الصيني المكتسح للعالم.