في أواخر عام 1973م وبُعيد حرب أكتوبر المجيدة التي استعاد فيها المقاتل العربي ثقته بنفسه أولاً وقبل أن يستعيد فيها كرامته المسلوبة والمهانة بفعل تلك الهزائم. كنت أجلس مع زميل سلاح مصري (جدع) قاتل ببسالة على خط بارليف وكان من الرجال الذين اقتحموا ذلك السد المنيع وكنا نتحدث عن الفرق بين المقاتل العربي والمقاتل الإسرائيلي من حيث الإعداد والتسليح والقدرة على استخدام التقنية وكنت آنذاك قادماً من الكويت لتغطية ما كان يحدث على الجبهة ولا سيما فيما يخصُّ لواء اليرموك الكويتي الذي كان يرابط هناك منذ عام 1967م. أقول كنت أتحدث مع (الجدع) المصري أو (الدُفعة) كما كنا نسميهم آنذاك فقال لي إن من أسباب هزيمتنا السابقة أننا كنا نتصور أن الفرد الإسرائيلي (جبان، رعديد، طماع، مراوغ، هزيل، وله أذنان بارزتان وذيل طويل وأنه يختلف عن كل مخلوقات الأرض)، وكذلك كنا نستهين بهذا الكائن (المسخ)، وأنا - الحديث لا يزال للمقاتل المصري - كنت أحمل هذا التصور وهذه الصورة. وكان أن أسر مجموعة من المقاتلين المصريين عدة أفراد من جيش الدفاع الإسرائيلي وأتوا بهم إلى القيادة وما أن سمعت بالخبر حتى (طرتُ) إليهم وكنت (ألفّ وأدور) حول كل جندي منهم مما دعا أحد الضباط أن ينهرني بالقول: (تعمل أيه يا دفعة؟!) فقلت له يا سيدي (عاوز أشوف الذيل بتاعه!) فضحك الضباط والجنود و(انكسفت) ثم عدت إلى موقعي لاكتشف كذب وتضليل (الخيال العربي) والاستهانة بالآخرين لأنني رأيت جنوداً أقوياء وبصحة جيدة ويحملون أسلحة أفضل منا ويتحدثون إلى ضباطنا بثقة عالية بقولهم: (عاملونا بمقتضى القانون الدولي لمعاهدات جنيف بشأن الأسرى فقط).
***
ساعتها وكما كان يُحدّثني البطل المصري - وكما استمر بالحديث قائلاً: أيقنت أننا نحن العرب أكثر الأمم استهانة بالآخرين فواحدنا (أهله أفضل من أهل الآخرين، وعشيرته أفضل من عشائر الآخرين، وطائفته أفضل من طوائف الآخرين وأمته أفضل من أمم الآخرين!!) وهذا بالطبع هو سبب خيباتنا و(كسافتنا) وجهلنا. فمتى ما وصلنا إلى فهم الآخر، فإن الآخر (سيفهمنا) بالطبع بل سوف يفهم قضايانا ويصغي لها أيضاً ومنها هذه القضية التي نقاتل من أجلها (قضية فلسطين).
***
هذا الموقف تذكرته اليوم حينما أعلن خادم الحرمين الشريفين مليكنا المفدى - حفظه الله - حينما قال إنه استشار علماءنا الأفاضل بضرورة التحاور مع الأديان الأخرى، وهذه الخطوة الحضارية إذا ما قُمنا بها، فإننا على الأقل نُنقي الإسلام مما علق به (زوراً) من ممارسات وأخطاء غير مسؤولة لا يقرها ديننا الحنيف ولعلنا على الأقل نُعيد صورة المسلم الناصعة ونُخلِّصها مما اعتراها من تشويه في نظر حتى أطفال العالم ثم إنها فرصتنا (الجديدة) لعرض مفاهيم الإسلام السامية على مَنْ لا يعرف سمو وعظمة هذا الدين الحنيف.