يتفق العقلاء في الدنيا على أنّ كلَّ إناءٍ بما فيه ينضح، كما يتفقون على أنَّ المبالغة في عرض وتصوير المُنْكَر والانحراف في المجتمعات البشرية بحجَّة الإصلاح إنّما هو ادّعاء كاذب، وذرٌّ للرَّماد في العيون، واستهانة بوعي الناس وفهمهم، كما يتفقون - أيضاً - على وجوب مواجهة المنكر والانحراف سواء أكان مطروحاً بالقول منطوقاً أو مكتوباً، أم كان ممارسةً فعليّةً في واقع الحياة، ويتفق العقلاء في الدنيا أنّ هنالك ضوابط لحياة البشر وسلوكهم وأخلاقهم وأقوالهم وأفعالهم لا بدّ من مراعاتها لمن أراد أن يقيم مجتمعاً بشرياً سليماً صالحاً.
هذه مسألةٌ متّفق عليها بين عقلاء البشر على اختلاف أديانهم وأفكارهم وأجناسهم، ولعلّها من (الحكمة) المشاعة بين الأسوياء من الناس التي يحسن بكلِّ عاقل أن يأخذ بها مهما كان مصدرها.
ويتفق الدارسون للآداب قديماً وحديثاً على أنّ النص الأدبي، شعراً كان أم نثراً، يعكس ما يستقرُّ في وجدان كاتبه من قناعاتٍ ومشاعر وانفعالات، وما يستقرُّ في عقله من أفكار وثقافات بصورٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة.
وهذا الاتفاق الذي نشير إليه هنا هو اتفاق العقلاء المنصفين الموضوعيين المستقرِّين نفسياً وذهنياً في كلِّ أُمّةٍ من الأمم، ولا يخرق هذا الاتفاق ما يطرحه بعض النقّاد والدارسين الذين يتفلَّتون من القيم والمبادئ كما تتفلَّت الإبل من عقالها، وكما تتفلَّت الحمر المستنفرة التي فرَّت من قسورة من حبالها، لأنّ هؤلاء الدارسين خارجون على أنفسهم قبل أن يكونوا خارجين على أديانهم وقيمهم ومجتمعاتهم.
إنّ بعض الروايات السعودية التي تصدر في الآونة الأخيرة لبعض الكتَّاب والكاتبات لتوحي بأنّ سوءاً كبيراً يستقرُّ في أذهان كاتبيها، وخللاً في فهم معنى المعالجة الأدبية الصحيحة لسلبيات المجتمع يسيطر على عقولهم .. إنَّ الرذيلة التي تعرض في بعض الروايات السعودية بحجَّة واقعيَّة الطرح، لمُنْكَرٌ واضحٌ بدأ يشيع على مرأى منا جميعاً ومسمع، وهذا المنكر الروائي يوحي بالتدنِّي الخطير في التفكير، وبالاستهانة الواضحة بقيم المجتمع ومبادئه وتعاليم الدين الحق الذي يؤمن به هذا المجتمع، وهذا التوصيف لهذا الصنف المنكر من الروايات، توصيف واقعي لها ولمحتوياتها، وليس اتهاماً لنيّات كاتبيها، فنيّاتهم ومقاصدهم معلومة عند الذي يعلم السرَّ وأخفى، إنّنا نصف عملاً أدبياً مخرِّباً ولهذا لا بدَّ أن نكون واضحين في التحذير منه، والنصيحة المُعلَنة للمتورِّطين فيه مهما كانت مقاصدهم، وما دام المنكر معلناً ومنشوراً، فلا مناص من أن يكون التحذير منه معلَناً ومنشوراً.
أيُّها الأحبّة ... الأدب مسؤولية عظيمة ومن تلاعَب بهذه المسؤولية فلا بدّ أن يُقال له: قف، فأنت تلعب بالنار.
إشارة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيِّروه أوشك أن يعمَّهم الله بعقابه.
www.awfaz.com