Al Jazirah NewsPaper Sunday  30/03/2008 G Issue 12967
الأحد 22 ربيع الأول 1429   العدد  12967

مستقبل المالكي السياسي بين صولة الفرسان وخراب البصرة!
عبد الإله بن سعود السعدون

 

مدينة البصرة الثغر الوحيد للعراق تحترق بنيران الفرسان الذين يقود صولتهم الشرسة السيد نوري المالكي رئيس الوزراء المنتخب من شعب العراق، بمن فيهم أشقاؤه من أهل البصرة الفيحاء أرض النخيل والورد والبترول، والتي يشتهر أهلها باللطف والكرم والتسامح وينهون مشاكلهم بالسلم والمسامحة! ومن دون مقدمات استيقظ أهلها على أصوات مدوية لأسلحة الفرسان من القوات العراقية تساندها جحافل عديدة من الدبابات وامتلأت سماؤهم بالطائرات المتنوعة وأصدر القائد العام للقوات المسلحة العراقية أوامره بمنع التجول داخل المدينة وإعلان حالة الطوارئ في كافة أنحاء المحافظة من أجل إلقاء القبض على عصابات مسلحة مجرمة من مهربي البترول ومروجي المخدرات وقاطعي الطرق تتضمنهم قائمة بأسماء يحملها رئيس الوزراء المالكي وعددهم لا يتجاوز المائتي مجرم إلا أن هجوم الفرسان وصولتهم الشجاعة اتجهت نحو مقارّ ومنازل منتسبي الكتلة الصدرية في المدينة وهم يشكلون الأكثرية السياسية في المحافظة بالمشاركة مع حزب الفضيلة أما الائتلاف الموحد الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء فوجوده ضعيف في المدينة الثانية في العراق.

وقد اشتعلت الشوارع الخالية من المارة بحكم منع التجول بالنيران بين أفراد القوات العراقية النظامية وأفراد جيش المهدي ميليشيا الكتلة الصدرية ودام القتال قرابة أسبوع دون توقف بل امتدت النيران إلى المحافظات الأخرى فاحتل جيش المهدي مدينة الكوت المحاذية للحدود الإيرانية وشهدت مدينتا الناصرية والعمارة معارك ضارية بين شرطة الحكومة وأنصار مقتدى الصدر وتم إحراق العديد من المراكز الحزبية المؤيدة لرئيس الوزراء المالكي في بغداد والحلة وكربلاء.

تميز أنصار الكتلة الصدرية عن بقية الأحزاب والكتل المؤتلفة في تكتل الائتلاف العراقي الموحد الذي ينتمي إليه السيد المالكي بمعارضتهم للوجود الإنكلو - أمريكي ومطالبة القوات العسكرية بإعلان جدولة زمنية لمغادرة الأراضي العراقية وإعادة السيادة الوطنية كاملة إلى الحكومة العراقية كما يعارضون أيضاً فيدرالية الجنوب وتحويل العراق إلى أقاليم منفصلة كما يهدف قادة الائتلاف الموحد بزعامة عبد العزيز الحكيم الذي يتبنى الفيدرالية في وسط وجنوب العراق.

وصلة الصدريين بإيران لا تختلف عن علاقاتهم الوطيدة بدول الجوار العربي ويؤكد أنصاره وحدة العراق وتثبيت هويته العربية، ومن أجل تنفيذ مشروع الطوائف والأقاليم لابد من تصفية هذا التكتل السياسي المسلح وهذا هو الهدف الأساسي للفرسان وصولتهم الشجاعة على أشقائهم وحلفائهم وبإسناد قوي من القوات الأمريكية والإنجليزية، ويدير القائد العام القوات المسلحة العراقية من مقر القوات الإنجليزية المحتلة والمتمركزة في قاعدة مطار البصرة.

إن التعاون السياسي بين أمريكا وإيران يلتقي في تنفيذ المشاريع الاستعمارية التي تدعو إلى تمزيق وحدة الدولة العراقية وتحويلها إلى أقاليم ضعيفة تحت السيطرة الأجنبية؛ وبالتالي ابتلاعها وتحويلها إلى قواعد نفوذ في المنطقة.

وحاولت قوى الاحتلال الأمريكي سابقاً سحق هذه الكتلة السياسية المركزية في جميع محافظات وسط وجنوب العراق وجربت في عهد حكومة الدكتور إياد علاوي حين محاولتهم تصفية الكتلة الصدرية في النجف وجوبهت القوى العراقية الرسمية والأمريكية بمعارك شوارع ضارية لم تتمكن قوى الاحتلال من السيطرة على المدينة وتمت المصالحة المشهورة بتدخل المرجع الديني الشيعي السيد السيستاني بين الفريقين حسب اتفاقية سرية لم تعلن بنودها بعد أن عاد السيستاني من رحلة علاج في العاصمة البريطانية ودخل العراق عبر الطرق الحدودية مع دولة الكويت!

إن الرئيس المالكي الذي قاد صولة الفرسان وفي حقيبته قائمة بأسماء الخارجين على القانون من المهربين ومروجي المخدرات وقطاع الطرق وأعلن أن عددهم مائتا مجرم، ومن أجل إلقاء القبض على هذا العدد الضئيل في محافظة عدد سكانها يتجاوز خمسة ملايين لا يستدعي هذه الحملة العسكرية الكبيرة ليقودها القائد العام للقوات المسلحة ورافق هذه الحملة القتل العشوائي من مدافع الدبابات الإنجليزية والأمريكية والقصف الجوي على معظم نواحي المدينة من الطائرات العمودية الأمريكية، ويتساءل الكثير من المحللين السياسيين عن هدف صولة الفرسان لأجل تصفية المعارضة البرلمانية والسياسية ولتمرير مشاريع سياسية وقوانين ينتظر التصويت عليها في البرلمان العراقي أهمها الاتفاقية الاستراتيجية للتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية وحكومة المالكي وتمرير قانون البترول ومنح أكثر من 80 % من الأراضي العراقية للمستثمرين في حقل البترول والغاز من الشركات البترولية الأمريكية، وفي السياسة العراقية الداخلية لا بدّ من تمرير قانون الفيدرالية والانتخابات البرلمانية الجديد.

وقد يكون من أساليب السياسة وتقاطع مصالحها الحزبية أن يكون أول من أسس حزب الدعوة الذي يرأسه حالياً المالكي هو المرجع الديني محمد صادق الصدر الجد المباشر للسيد مقتدى الصدر زعيم الكتلة الصدرية المستهدفة من فرسان حزب الدعوة بقيادة رئيس الوزراء المالكي الذي حول محافظة البصرة الفيحاء إلى كومة من الرماد والدخان الأسود وبرك الدم!

كتلة الائتلاف العراقي الموحد بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على استلامها للسلطة نتيجة انتخابات مذهبية طائفية لم تحظ بتأييد وارتباط أبناء المنطقة الوسطى والجنوبية بهم بل ولدت نفوراً سياسياً وشعبياً في إجراءات حكومة المالكي التي تمثلهم وفشلها في تحقيق الاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي بل بلغ أكثر من أربعة ملايين مهاجر فرّ من العراق خشية عمليات التصفية الجسدية لمعارضي الوضع الحالي وهجر أكثر من مليون عراقي منازلهم إلى مخيمات بدائية سيئة التحضير علاوة على الفساد الإداري والمالي المتفشي في كل المؤسسات الحكومية العراقية. ولقرب موعد الانتخابات البلدية ومن ثم الانتخابات البرلمانية في هذا العام وخشية خسارة أعضاء الائتلاف العراقي الموحد هذه الانتخابات لقوة معارضيهم من حزب الفضيلة والكتلة الصدرية في مدينة البصرة بالذات؛ لذا لا بدّ من إضعافهم وتصفيتهم للمحافظة على مراكزهم المتقدمة في الحياة السياسية العراقية. وأفرزت هذه الأحداث الدامية في مدينة البصرة نتيجة لصولة الفرسان بروزاً في المشهد السياسي العراقي أحزاباً وكتلاً سياسية ترتبط مباشرة بالاحتلال الأمريكي استطعمت السلطة وأضواءها وتقاتل للمحافظة عليها، وقوى وطنية وقومية تسعى جاهدة لتخليص بلاد الرافدين من غطرسة وجور وظلم الاستعمار الأجنبي وخروج قواتهم المسلحة من فوق ترابه العربي الإسلامي الذي تلوث بماكينته العسكرية وعودة العراق إلى عائلته العربية واستقرار شعبه بوطنهم الذي أحبوه ويدعون وندعو معهم لتخليصه من الفتن والمشاريع الأجنبية الهادفة لتمزيقه وإضعافه ونهب ثرواته وإذلال شعبه الصابر. وصدق الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - حين قال:

ليس البلية في أيامنا عجباً

بل السلام فيها أعجب العجب

* عضو هيئة الصحفيين السعوديين وجمعية الاقتصاد السعودية


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد