Al Jazirah NewsPaper Sunday  30/03/2008 G Issue 12967
الأحد 22 ربيع الأول 1429   العدد  12967

استراحة داخل صومعة الفكر
سعد البواردي

 

- أغنية الشمس

- إبراهيم الزيد

- 125 صفحة من القطع المتوسط

حين تغني الشمس بإطلالتها على الحياة تتفتح الزهور.. وترقص الطيور.. ويستحم النهار في نهر ضوئها شتاء بالدفء.. وصيفاً بحرارة الحب الذي يلهب الجسد.. ويدفع عشاقها إلى الظل خشية ضربتها التي لا ترحم..

شاعرنا الزيد من أيكة شعره أطل على شمسه وهي تمد خطوط ضوئها.. وترسم الظلال على أشجار حديقته الشعرية.. ملتقطا منها ذخيرة تصوّر.. وتخيل أودعها في ديوانه (أغنية) لا أدري أدافئة هي كشمس الشتاء.. أم كاوية كشمس الصيف اللاهب..؟!

(شراع) بهذه القصيدة شرّع في بث هواجسه:

وجلست في الشط القريب.. على الصخور..

والموج من تحتي يمور..

أغراه البحر بموجه.. استجاب له.. سبح في مده الكبير.. امتدت خطاه.. تناهى إلى سمعه نداء قلب يستغيث.. سريعة تلك الصور المتلاحقة المتدفقة كأمواج البحر وابتهاجه..

ومن بعيد لاح الشراع..

ذاتي يشق طريقه. ويغالب الموج المرير

أما هو وقد شده المشهد نحو السماء في دهشة فقد أومأ إلى الشراع الذي يغالب الأمواج هاتفا بصوت قوي:

فهلمّ نحوي للأمان.. يا أيها الصوت الحبيب

وتسابقت عيناي نحو الزورق

والموج يلسعه بأسواط العذاب

وأنا المعذب.. لا استطيع هنا حراك

وسقط الشراع.. وفي حومة الصراع راح يقاوم.. أخذه الموج إلى البعيد.. ولم يعد لدى شاعرنا إلا الدمع.. والحسرة.. وقد ضاع كل شيء.. صورة!

(الربيع) في أجندة الشعراء رمز عطاء وحب وجمال ما أن يولي حتى ترتسم الصور الرمادية في لوحاتهم شاكية.. أو باكية..

ذهب الربيع ولم يعد.. ذهب الربيع

غار الجمال الحلو.. عن تلك الربوع

وطوى رؤاه العذب والفن الربيع

كل الأشياء الجميلة ترحل برحيله.. وتبقى حسرة القلب قائمة.. ومعها التساؤلات دون أجوبة..

أين الغدير.. بحرقة.. أين الغدير؟

أين الجمال.. وقد تدثر بالسرور؟

واردعتاه.. وقد تحطمت الزهور!

في الشطر الأخير ملاحظتان.. (واردعتاه) لعلها خطأ مطبعي والصحة (واروعتاه) والزهور لا توصف بالتساقط لأنها رقيقة لا متحجرة.. شاعرنا المرهف بث أسراره لربة شعره ولكن بشكل تساؤل يدفع إلى الاستغراب والدهشة.. والطرح القسري..

يا ربة الشعر هذي كل أسراري

ما كنت أخفي مزيدا خلف منظاري

كم ذا تريدين أسراري وأنتِ بها

أدرى وأعلم من قلبي بأخبار

كم ذا تلحين قولي لست خارقة؟

ما كان في النفس لا أخفيه عن جاري

قولي علمت ولكن لست قانعة

إلا به نغما.. يجري بأوتاري؟

فثم فلسفتي.. ان ثم فلسفة

دنيا من الحب تذكي كل أشعاري

قال لها عن أسراره.. عن دنياه.. إنها الحب.. والعطف والطهر والسلام والإسلام والمعرفة وكل الأشياء الجميلة، وهذا يكفي..

(جزيرة العرب) عنوان.. تحت مظلته يقول:

جزيرة العرب.. جزيرة الحياة

جزيرة الخلود. والمجد. والإباء

من أرضها.. من الرمال. والجبال

من الوهاد والنجود شع الضياء

وينتهي به التوصيف والتوظيف لمفردات شعره إلى القول عن أهلها

حياتهم بعيدة عن الجمود

مودة.. عدالة بلا حدود

لكل جنس.. وكل لون..

من أبيض وأسود يعيش في الوجود

هذا هو الوطن يحتضن كل ساكنيه دون تمييز ودون طبقية ولا تحيز مشاعر جميلة من مواطن لوطنه وبني وطنه وكما ذهب الربيع وتحسر عليه.. أتى الربيع

والتف حواليه يوقع قيثار شدوه.

أتى الربيع يا رفاق ليبعث الحياة في الوجود

أتى الربيع يا طيور.. فغردي وفي حبور

وأنتِ يا شياه وقد سرحت في الحقول وقد مضى الشتاء

وأنت يا فراش يا زاهي الجناح.. يا من تحوم..

وأنتِ يا نجوم يا زينة السماء.. أما فرحت بالربيع

كلها بخطاب فرح طوّف عليها يستجلي منها صور البهجة وملامح الغبطة وقد رحل الشتاء بجموده وجليده.. وجفافه.. (الغرور) كما يصفه! وكما يخاطبه:

وسألته من أنتَ..؟ قال أنا الغرور

قلت: ابتعد عني.. ودعني كي أسير

قال: إني إلى دنياكم خطير..!

حسنا لو أضاف حرف الباء إلى كلمة دنياكم كي يستقيم بناء البيت.. الغرور يتحدث عن فعالياته!

انظر فقد أفلحت في غرس البذور

هذه تباشير العطاء.. فلم النفور؟

هذه تشكل مطبا.. ولتلافيه يقال هذي.

كثيرون أخذهم الغرور إلى جانبه.. العالم النحرير.. الشاعر.. الكاتب.. القائد.. وآخرون.. حادوا عن طريق التواضع..

لم ينصفوا للحق من قلب غيور

عاجلتهم.. فرضختهم فوق الصخور

وتركتهم يتقلبون على السعير

ويواجهون بذلة سوء المصير..

وعن المجد.. والعرب.. يقول مخاطبا زمانه:

سألت المجد عنا والزمان

وكيف فعالنا كانت زمانا؟

لغير المجد ما تهفو قلوب

نعاف الذل في دنيا هوانا

إذا افترت ثغور باسمات

بغير العز ما أخذت ربانا

إذا غنى الخلود إلى المعاني

فما غنى بشعر من سوانا

لا يا عزيزي غنى بالشعر.. والنثر. وبالمقالة والقصة والرواية سوانا.. وغنى أكثر بواقعه.. وبماضيه.. وربما أيضاً لمستقبله.. أما نحن:

رب يوم بكيت فيه فلا

فلما صرت في غيره بكيت عليه

لنأخذ تساؤلك كفأل.. كتذكير بأن لنا تاريخا حافلا بالأمجاد يفتقر إلى التجديد.. والإضافة.. كي لا ننسى..

شاعرنا أطل من شرفة غرفته.. شخص إلى السماء.. القمر يلوح على بعد: تحدث معه:

قل لي بربك يا قمر

قل لي وقد لحّ البشر

قل لي مقالا صادقا

فالقوم ترقب في حذر

لا أدري لماذا اختار جُرما صخريا لا ماء فيه ولا هواء ولا رواء يستقصي بريقه من الشجر كي يقول له.. أحرى بشاعرنا أن يسأل من يملك القول الفصل ولكن.. والحديث لشاعرنا لندعه يطرح تساؤلاته:

أترى اتتك مراكب

نبغي نوالك في السحر

جاءت إليك بقوة

فتحطمت فوق الحجر

شرقية غربية..

أم أنها إحدى الكبر؟

القمر لم يجب.. العقل العلمي البشري وحده أجاب قائلاً: القمر في قبضتنا.. غزوناه.. سبرنا أغواره.. قهرنا بذلك ما كان مستحيلا في الماضي.. أما عن جبل السروات وضبابه فهذا شأن صاحبنا ألا يحتاج إلى مركبة فضاء.. وإلى عدسات تصور عن بُعد:

زد في ضبابك يا ضباب

وامدد رواقك كالسحاب

انثره فوق سنابل

تدّج به هام الهضاب

انفثه في وجه الفضا

وانثره في جوف العباب

ان المطر الذي يستحم بمائه غابات السروات وشعاب تهامة ومنحدراتها حيث أودية العطور.. ومدرجات النماء.. والعطاء..

شاعرنا وهو يلتقط بعدسته المرئيات من حوله لمح زهرة عطشى أفاقت من ظمئها على قطرات الماء المتساقطة من السماء:

سبحان من هو بعد الموت احياها

من بعدما ظمئت دهرا فرواها

قد كنتِ يا زهرة الوادي مبعثرة

فوق الصخور.. أباديرا رأيناها

وددت لو أبدل كلمة.. (الموت) بمفردة (العطش) الموت يعني نهاية النهاية للنبات.. يستعيد مشهد ما قبل المطر:

تلك الطيور وقد كانت مغردة

مالت إلى غيرها.. ما كان أقساها

كانت على الأمس ما لا استطيع له

وصفا.. وقد شرقت بالدمع عيناها

ليست الطيور وحدها التي تميل إلى غيرها.. نحن البشر نميل إلى غيرنا حين تأتي مائدة معاوية أدسم وأكثر انجذاباً من سيف علي.

يودع زهرته وقد عادت الحياة من جديد بوصف لذيذ..

لكنها زهرة من طبعها عبق

كالشمس.. ما نظرت يوما لأعدائها

السبب بسيط.. لا أحد يقدر حتى الآن على النظر إلى الشمس إلا من خلال تلسكوب مكبر وواق للنظر حتى لا يحترق.. من يقدر على معادات الشمس!

(أشواق) إحدى مقطوعاته الوجدانية الجميلة:

هدهدت في رحلة الأيام أشواقي

لكنها لمعت من بين أحداقي

وكيف للمرء أن يطفي لواعجها

وقد تلظت بنار بين أعماقي؟

ورحت في وحدتي علّي أنهنها

فما استجابت ولكن زاد إرهاقي

يا نفس كفي عن الآهات لاهبة

أم ترغبين بهذا اليوم إغراقي

مسكينة النفس بائسة نحملها كل اللوم والعتب.. إنها الضحية.. الناس وليس النفس هم الذين يثيرون لواعجها ويضرمون نار وحشتها لها العتب.. وعليهم الذنب..

في رحاب الزيد تستزيد:

خلفت قلبي في (رحاب)

خلفته بين الهضاب

بين المروج الخضر.. ما

بين السواقي والسحاب

بين الجداول ثرة

رقراقة فيها انسياب

في هذا الجو الرومانسي خلف قلبه.. وخلف قلوبنا جميعاً معه.. الطبيعة بمفاتنها تأسر وتجتذب بجاذبيتها.. إلا أن مزاجية الحياة المتقلبة لا تترك لأحد خياراته.. إنها تنقله في قسر بين النقيض والنقيض.. فاللوعة والعذاب وتراكم الهموم.. وغيوم الذكريات السوداء لا تفتأ تخالج خياله بين الحين والحين وتنكد عليه متعة

رحابته خشية ألا تبقى..

(قمرية الوادي).. ماذا عنها؟!

أثرت بالبوح يا قمرية الوادي

أشجان قلب طواها عبر أزمان

أثرته وهو خلو من شواغله

ألقى بها هارباً ما كان بالجاني

قد جاء في ذروة القرعاء مبتسما

من بعد عشر طويلات كأحزان

المشاهد البانورامية تشد إليها القلوب والأبصار.. غابات باسقة جداول نسيم عليل مروج خضراء يتموج منها الأريج.. إطلالة من ذروة الجبل حيث الهضاب.. والضباب والسحاب..

اني لأعجز عن تصوير فتنتها

إني أرى لوحة صيغت بإتقان

سبحان مبدعها الله خالقها

هيهات يدركها فن لإنسان

بهذه الريشة رسم لنا وجه الطبيعة وملامحها وجزئياتها.. كان موفقا.. وكنا معه أيضا متفقين على ما أوحى به من لقطات جمالية هي البعض من مشهد جبل السروات الأشم.. بتعرجاته.. وامتداده.. الطائف.. الباحة.. أبها.. جازان.. نجران.. حتى اليمن.. حيث الخصب والنماء.. (القلب الشاكي) ما شأنه..؟ أهي شكوى غلب أهي شكوى عتب؟ أهي شكوى هجران وهجر؟ أسئلة مطروحة يجيب عليها شاعرنا الزيد

من فينا لا يشتكي قلبه سغب حياته.. وإخفاق امنياته.. شاعرنا بث شكوى قلبه إلى ربه

آه.. فقد ضاع الأمل

آه فقد قرب الأجل

آه.. فقد ضخ الشعور

من الشكوك من الوجل

واغرورقت عيناي في

بحر غزير.. بالمقل

أمام هبوب عاصفته حنى رأسه أغمض عينيه تتملكه الحيرة الخجولة وقد ضاع صوته

قد كنت أبني في الدنا

أملا يطاول في زحل

ويشدني هذا الطموح

إلى التسامح والعمل

لكنني واشقوتي

أدركت أني منفعل

وأنا أسأله:

كيف السكوت على الشكاة

كيف الحياة بلا أمل

ألستَ قائل هذا البيت.. منك سؤل الشكوى.. ومنك الإجابة لا مكان هنا لتعليق أكثر من الأمل.. حياة بلا عمل.. حياة بلا أمل حتى وإن قست في حياته فتاة حزينة رسمها كلمات:

في المساء الرهيب عند التلال

في طريق اطلال خلف المدينة

في طريق طويلة لست أدري

كيف لي أن أسير عبر حزنه

في قفار بعيدة.. بين صخر

وسفوح ووحشة وسكينة

كانت أشبه بتائهة تناجي وحدتها ووحشتها ترقب الشمس وهي تأوي نحو المغيب.. الليل يطبق بجناحيه الأفق غارق في سواده.. لا ضوء ينير تلك الروابي

الصامتة.. مشاهد مرت بها وهي شاردة

في شرودي وخلوتي بين نفسي

وخيالي مغرورق في ظنونه

إذ تنادي الرعاة ابوا جميعا

اقفر الدرب طارحته السكينة

وطيور الجبال مرت سراعا

مات ذاك النشيد جفت جفونه

ماذا فعل الرعاة.. لا شيء يتغير.. ما برحت الشكوى قائمة.. والمآقي هائمة!

هيكل لاح في الظلام بعيدا

يتلوى وعكازه في يمينه

صورة للشقاء هزت كياني

شبح ذاك! بل فتاة حزينة!

عصر الهم قلبها.. فترددت

في طريق الغناء تبكي سجينة

يئست في الحياة ترجو خلاصا

من مآسي ووحشة ورعونة

إذا رمتها الحياة في لجة الشك

فهامت.. شريدة.. مستكينة

مسكينة تلك المرأة وقد كتب عليها العذاب أن تعيشه كغيرها من البشر.. أما هو فقد ترامت أمام ناظريه الأفاعي

يا صخور الجبال هل ترحمينه؟

قد أتى لاجئا وحيدا طريدا

يرقب الفجر.. يا ترى تخذلينه

شبحان آدميان ينطبق عليهما المثل القائل.. (بغيتك يا عبد المعين تعين.. لقيتك يا عبد المعين تنعان) كلاهما في الحزن سواء.

أخيراً مع الغمام.. وشبح الهزيمة المروعة:

هبت بنا كرب كالليل مظلمة

فبددتنا كأوراق من الشجر

جراحنا لم تزل في القلب نازفة

وعار (يونيو) ينادينا إلى النظر

أثرت يا عام في نفسي كوامنه

وقد بدا قصة تتلى من السير

لا كان للعرب شأن في مواطنهم

إن لن نُفجّر في الأعداء من سقر

وندخل القدس أفواجا مهللة

نرتل الذكر في آي من السور

بعد الهزيمة جاءت نكبة.. وبعد النكبة جاءت نكسة وما زلنا نحارب بالكلمات.. تارة بالنثر وأخرى بالشعر.. وثالثة بالتصريحات التي لا تساوي الحبر الذي كتبت به.. فلسطين كلها محتلة.. والبوابة الشرقية مخترقة بل وممزقة.. وأوراق المقاومة محترقة.. ومع هذا توجد بارقة أمل جديد يحمل رأيته رجال عاهدوا الله على تحرير أوطانهم من رجس الغزاة.. ومن دنس الأقدام الهمجية.. الحياة لا تقبل الموت حتى وإن قُهرت..

وبعد شكراً لشاعرنا الصديق إبراهيم الزيد الذي طوّف بنا معه في أغنية شمسه التي ما إن تغيب حتى تطل من جديد، مؤكدة لنا أن دورة الحياة متجددة.. وأن حلكة الليل متى اشتدت إيذان بفجر جديد..

وإلى لقاء جديد مع شاعر جديد في ديوان شعر جديد بإذن الله.

الرياض ص.ب 231185

الرمز 11321

فاكس 2053338


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد