Al Jazirah NewsPaper Sunday  30/03/2008 G Issue 12967
الأحد 22 ربيع الأول 1429   العدد  12967
قدم صورة تعبيرية للمضامين الوطنية
محمد بن حاضر من دائرة الحلم إلى التخييل الجمالي الشعري

تمثل التجربة الشعرية للشاعر نسيجاً متميزاً في سياق التجارب الأخرى، فهي ترتبط بالأساس بالسيرة الذاتية، وبالمواقف والخبرات التي مر بها الشاعر، هكذا يمكن عقد صلة دلالية ما بين التجربة الحياتية وبين التجربة الشعرية، هذه الصلة لا يقيمها الشاعر في شعره بشكل مباشر، بل يعيد إنتاجها مستخدماً آليات فنية متعددة في الخيال والاستعارة والصورة والرمز، وهو بذلك إنما يقدم حياة جمالية أخرى سوى ما يرتبط بشكل مباشر بحياته وتجربته الشعرية، إذ يمتثل ذلك كله إلى عملية مزج تعبيري دائم فعال بين الحلم والواقع، وبين البراءة والتجربة، وبين المعيش والنموذج المثالي.

وفي تجربة الشاعر الإماراتي محمد خليفة بن حاضر ما يومي بشكل دال إلى هذا المزج الفني الدائم بين الخبرة والتجربة الذاتية وبين التجربة الشعرية.

لقد جمعتنا جلسة ذات يوم في خيمة معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الأستاذ عبدالرحمن بن حمد العطية، وتذكرنا هذا الشاعر الذي قدم تجربة شعرية متميزة، وأثيرت أسئلة كثيرة حول الأدب العربي في الخليج ولماذا لا يلاقي اهتماماً نقدياً وثقافياً في المشهد الأدبي العربي المعاصر؟

ومن هنا رأيت أن أعرف القارئ الكريم بتجربة هذا الشاعر محمد خليفة بن حاضر لتشكل هذه التجربة المتميزة محفزاً له على متابعة هذا الأدب، وقراءته.

تشكل التجربة الشعرية للشاعر الإماراتي محمد بن خليفة بن حاضر نمطاً من أنماط التفاعل الجمالي المتميز مع الواقع، سواء كان هذا الواقع شخصياً يسرد شعرياً لتفاصيل الذات، وعلاقتها مع الآخر، أم كان هذا الواقع هو الوطن، والعالم الرحب بوجه عام.

إن قراءة هذه التجربة في شكلها الجمالي الذي يتجلى في اللغة، والأسلوب، وفي التكوين التصويري المدهش إنما يقفنا على جملة من العناصر، يمكن أن نجملها بدئياً في:

- التعبير عن الوطن، والتغني بمفرداته، وعاداته، وأعرافه، والاحتفاء بالقيم المكانية التي يشكلها الوطن.

- تمثل الحياة الواقعية الإماراتية في تفاصيلها اليومية الواقعية، وهذا التمثل لا يتم بشكل مباشر بالضرورة، بل نلمح فيه عفوية التجربة، وبراءتها، وتلقائيتها، التعبير عن الذات الشاعرة، وعلاقتها بالآخر، الآخر الإنساني، والآخر العالم والواقع.

- تقديم العوالم الشعرية المثالية التي تترى في دائرة الحلم، واكتشاف مطلق الروح الإنسانية إذا صح التعبير.

- المزج بين ما هو تقليدي أصيل، وبين ما هو رومانتيكي بحيث يتحول هذا المزج إلى طاقة تعبيرية شعرية متميزة في المشهد الشعري بوجه عام.

إن الشاعر محمد بن خليفة بن حاضر يمثل فيما يمثل صورة جمالية لما يحويه الوطن، وهو لذلك تكثر لديه مفردات حب الوطن، فكأنما يقدم شعرية يمكن تسميتها ب شعرية مديح الوطن، وهو أمر ناجم بالضرورة من تثبيت الهوية الأصيلة، والبحث عما يمكن أن يمثل أسساً معرفية خاصة تكمن في الشعر الذي ينتجه الشاعر، ومن أجواء شعره:

أوتحلمين بعودة

لا تحلمي

ردي علي تكلمي

لا تندمي

إن الدم المهراق فوق سناء آمالي.. دمي

لا تحلمي

بالصبح يشرق من محيّا الأنجم

ويقول في قصيدته هذه وهي بعنوان (لا تحلمي)

لكنني..

والنور يأخذني بعيداً

سأظل أحلم بالليالي بالأماسي

بالوجوه السمر

بالشطآن بالكثبان

تجديداً وجوداً

وأعود أقرأ ما أشاء

غدا

لأرسم ذلك الآتي وجوداً

لقد تأثر حاضر بتجربة شعرية تعد من أهم التجارب التي قدمتها الشعرية العربية طوال تاريخها المديد، وهي تجربة الشاعر أبي الطيب المتنبي الذي كان يقدم شعره بوصفه صورة خلاقة زاهية المنجزات الشعرية العربية التصويرية، والتركيبية، والتخييلية، واللغوية أيضاً، فبقدر التماسك الفني والسمو الجمالي الذي أحدثه المتنبي في القصيدة العربية يجيء تأثر الشاعر محمد بن خليفة بن حاضر بأسلوب المتنبي شعرياً، فهو يمتلك قدراً من الرصانة الجمالية -إذا جاز الكلام- الذي يستطيع أن يعبر به عن ذاته، وواقعه، وعالمه، وهذه الرصانة تمثل إحدى صور تأثره بالمتنبي.

كما تأثر حاضر بما كان يكتبه الأديب الشيخ عبدالعزيز التويجري -رحمه الله- خاصة في كتابيه عن المتنبي، وأبي العلاء، وهما كتابان يعدهما حافظ من فلذات الكتب العربية التي أثرت فيه على المستوى الشخصي، وعلى مستوى تجربته الشعرية.

إن الشاعر حاضر من أبرز الأصوات الشعرية في المشهد الشعري الإماراتي، لكنه شاعر مقل، مع ذلك فإن تجربته الشعرية يتعين علينا أن نقابلها بكثير من الاحتفاء، وكثير من القراءة التي تكشف عما تتضمنه من مكامن تصويرية، ومن مضامين يمكن لها أن تشكل ملامح عامة لصورة العصر الذي نحياه.

لقد تابعت تجربة الشاعر محمد خليفة بن حاضر مدة ليست بالقصيرة، وعاصرت تحولات هذه التجربة عنده سواء في مضامينها الكلاسيكية أم في دلالاتها الرومانتيكية، وإنني لعلى يقين من أن مثل هذه التجربة سوف تفتح أفقاً للسؤال النقدي والقراءة التي تخبر مدى العناق التعبيري بين ما هو تقليدي أصيل محافظ على جوالة اللغة، وسبكها، ورصانتها، وبين ما هو تجديدي يتلمس العناصر والصيغ والموضوعات الجديدة المعاصرة.

إن تجربة الشاعر حاضر تستحق التأمل كثيراً، كما تتطلب قدراً من الإصغاء إلى نبضها الداخلي والوقوف عند أبرز ما يجلي قيمها ومثلها الفنية، والجمالية، والتعبيرية المتميزة.

مأمون السمان



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد