Al Jazirah NewsPaper Sunday  30/03/2008 G Issue 12967
الأحد 22 ربيع الأول 1429   العدد  12967

عندما تكون الإعاقة إلهاماً (1)
مقدمات حول علاقة الإعاقة بالتميز!
د. زيد المحيميد

 

إذا ما غدت طلابة العلم مالها

من العلم إلا ما يخلد في الكتب

غدوت بتشمير وجد عليهم

ومحبرتي سمعي ودفترها قلبي

هذا ما قاله الشاعر الضرير العربي الذي يرى أن سمعه هو محبرته، وأن قلبه هو دفتره فهو يغنيه عن القراءة التي هي أسلوب طالب العلم التقليدي، فاستغل شاعرنا العربي إعاقته لتكون أداة للإبداع، وفي نفس الاتجاه يمكن الإشارة إلى ما دونه الكاتب أحمد الشنوان صاحب كتاب (عظماء ومشاهير غيروا مجرى التاريخ): ( إن بين النبوغ والعيوب علاقة عظيمة أنه لولا الشذوذ عن الصحة العادية لحرمنا كثيراً من النوابغ أهل العبقرية البارزة.!!)، ويؤكد ذلك ما قاله نزار قباني عن طه حسين بقوله:

ارم نظارتيك ما أنت أعمى

إنما نحن جوقة العميان

الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة في الماضي والحاضر أصبحوا من ذوي الإنجازات الاستثنائية والمتميزة، والنماذج المشرقة كثيرة، فقد أبدعوا في تواصلهم للعالم المحيط بهم بشتى الطرق والممارسات التقليدية وغير التقليدية حيث قهروا إعاقتهم وقهروا الحياة وبدأوا وكأن الدنيا لا تتسع لهم لفرط طموحهم واعتدادهم بمواهبهم ومنهم الشاعر العربي أبو العلاء المعري حيث قال:

وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم

بإخفاء شمس ضوؤها متكامل

وإن أنسى فلا أنسى المقعد الشاعر العربي بشامة بن الغدير الذي لم يغادر مكانه وقد تميز بسداد الرأي وبعد النظر، وله من الميزات التي أهلته بأن يكون سيد قومه والناطق باسمهم، ولم يمنعه (عجزه) من المشاركة في شؤون قومه الاجتماعية، وهو القائل (انظر: الإعاقة في الأدب العربي، للدكتور عبد الرزاق حسين):

ولقد غضبت لخندف ولقيسها

لما ونى عن نصرها خذالها

دافعت عن أعراضها فمنعتها

ولدي في أمثالها أمثالها

إن ذوي الاحتياجات الخاصة بأنواع إعاقاتهم المختلفة بحاجة ماسة إلى العناية بهم وبمستقبلهم، فهم جزء لا يتجزأ من المجتمع، وأصبحوا يشكلون نسبة كبيرة في مجتمعاتنا، فتقدر الإحصائيات التي قامت بها أو حصلت عليها الأمم المتحدة من خلال منظماتها المتخصصة أو من خلال الدراسات والمسوحات والتعدادات والتسجيلات التي جرت في دول العالم بأن هناك أكثر من 500 مليون شخص معاق في العالم وهذا يعني أن هناك شخص واحد من كل عشرة أشخاص في كل بلد يعاني من شكل من أشكال الإعاقة ( التأهيل المهني للمعوقين، للدكتور يوسف شلبي)، من أجل هذا كان لابد من الرعاية المستمرة لمتابعة آمال هذه الفئة وتطلعاتهم المستقبلية، ودمجهم في حياة المجتمع ليشاركوا فيها بما لديهم من قدرات ومواهب في المجالات الفنية والأدبية ليصبحوا منتجين مستقلين بحياتهم، وينالون من المجتمع كل احترام وتقدير.

لاشك أن بعض المعاقين - في نظري والشواهد كثيرة - يمتلكون مزايا متعددة، ولهم استعدادهم الطبيعي و طاقة كامنة غير عادية امتلكوها في مجال أو أكثر من مجالات الاستعداد والإنتاج الإنساني التي تحظى بالتقدير الاجتماعي في مكان وزمان معين، ولكي نستفيد من تلك الطاقات الكامنة كان لابد من عمل آليات كثيرة ومناسبة لتلك الفئة منها:

* اكتشافهم وتقديم الرعاية المناسبة، ومعرفة ميولهم المهنية، ومن الممكن وضع برنامج علمي متكامل ودعمه كبرنامج (مواهب المعاقين) في بعض الدول.

* إشباع حاجاتهم النفسية والعقلية والجسمية والصحية.

* تقديم ملتقيات ثقافية سنوية لهم، ولنا في التجربة الناجحة في مدينة الشارقة نموذجاً.

* فتح بعض التخصصات التي تناسبهم في عدة مجالات ومثل ذلك الإعلام ومبادرة المؤسسة العام للتدريب التقني والمهني لهو خير دليل على الاهتمام بهذه الفئة في المملكة، ولكننا نطمح بالمزيد!.

* ربط منح الترخيص لبعض الأنشطة التجارية بتوظيف معاق واحد على الأقل، وقد أشرت إلى ذلك في مقالة سابقة بشيء من التفصيل (رسالة من معاق، جريدة الجزيرة الخميس 26 ذي القعدة 1428هـ، العدد 12852).

* بعض الدول المتقدمة كأمريكا يتم عقد شراكة لبعض الشركات الرائدة مع بعض الجهات العلمية من أجل إعطاء دورات صيفية للمعاقين وشعارها ( ذلك الشخص يواجه بعض التحديات، لذا تلك هي طريقة التغلب عليها)، وبإمكان تطبيق هذا الجانب المضيء لبعض الشركات الكبيرة لدينا كشركة أرامكوا السعودية وسابك وغيرها....

والغرض من هذه المقالة الإشارة لبعض النماذج المشرقة من المعاقين والذين استغلوا طاقاتهم الكامنة، وقهروا إعاقاتهم ليصبحوا مبدعين في عالم اليوم..وللحديث بقية.

كاتب وأكاديمي سعودي

zeidlolo@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد