بعض الناس يظن أنَّ كلمة التراث تنصرف إذا أطلقناها إلى تلك الأواني والملابس والأدوات التي كان يستخدمها الأجداد، ويتحدثون عن ذلك الموروث الملموس على أنه (التراث) دون سواه، فالكرسي القديم، والقنديل الزيتي، والحُليّ والملابس القديمة، وأنواع العملات التي كانت تستخدم قديماً، والأواني المنزلية والزراعية القديمة، هذه الأشياء وما شابهها هي (التراث) في أذهان بعض الناس.
أما حقيقة دلالة هذه الكلمة فهي شيء آخر، أعمُّ من ذلك وأوسع. فالتراث كل ما له علاقة بتراكم خبرة الإنسان من خلال التجارب البشرية المتواصلة من الآباء والأجداد إلى الأبناء والأحفاد، تلك التجارب التي تنشأ بين الإنسان وبين محيطه الذي يعيش فيه، وهو وثيقة تاريخية فنية لها علاقة بالجوانب الروحية والاجتماعية والفكرية والخلقية.
هنالك علاقة قوية بين تكوين التراث بهذا المفهوم وبين التقاليد والقيم، والعادات الناشئة من ثقافة المجتمع وعقيدته وبيئته، فالمعرفة والثقافة من أهم مكونات التراث، ولهذا يرتبط الناس بتراثهم ارتباط تآلف وتعاطف وتفاعل يتحقق بها الشعور بالانتماء عندهم.
وحينما نقول التراث الفني، فإن مجموعة التجارب والخبرات تدخل في معنى هذا المصطلح، سواء من حيث المعتقد والفكر والثقافة، أم من حيث العادات والسلوك، أم من حيث الأشياء المادية المستخدمة من قبل أولئك الناس الذين يتكون التراث من خلال تجاربهم وخبراتهم.
وهذا هو السر الذي يجعل الإنسان ينتفض تأثراً وتفاعلاً حينما يرى قطعة أثرية تربطه بذكرياته القديمة، أو ذكريات آبائه وأجداده، ويشعر نحوها بارتياح كبير، وحنين عميق، مع أنه لا يمكن أن يرضى باستخدامها بعد أن تطورت الحياة ووسائلها.
ربما نجد إنساناً يحتفظ بقربةٍ قديمة كانت تستخدم لجلب الماء من الآبار وتبريده فيها، ولا يرضى لها بثمن مهما غلا وارتفع، مع أننا لو خيّرناه بين استخدامها اليوم واستخدام (برّادة الماء الكهربائية) لاختار الوسيلة الحديثة بلا تردد، وإنما كان السبب في عنايته بالقربة ذلك الخيط الخفي من المشاعر التي يحملها الإنسان نحو تراثه بمظاهره المتعددة كلِّها.
إنَّ التراث الفني يعني الأدب والثقافة، والخطّ والرسوم التشكيلية وفنون العمارة، والزخارف والنفوش، ونمط العادات والتقاليد المرتبطة بتاريخ الإنسان وماضيه.
ليس التراث الفني شكلاً من الأشكال الملموسة فقط، وإنما هو روح للمكان والأشخاص والمواقف وأنواع السلوك وأساليب التفكير ووسائل الأعمال المختلفة المرتبطة بالماضي، فالتراث أفعال وأقوال تتراكم مع مرور الزمن لتصبح دليلاً على سمات الإنسان المشتركة وخصائصه الخاصة والعامة وجوانب شخصيته، ومن هنا يكتسب التراث الفني قيمته الخاصة.
إشارة:
الاستفادة من التراث لا تعني الخضوع المطلق، أو التعصب الأعمى له.
www.awfaz.com