دائما يؤكد علماء الدين وعقلاء الأمة وقادة الرأي والفكر فيها، على وجوب التعاطي مع قضاياها العامة أو الطارئة بعقلانية دينية وحنكة سياسية وحذر إعلامي حسب موقع الشخص المسؤول أو الإنسان العادي، بحيث لا يستدرج المسلم إلى الوقوع في فخ الاتهام ب(التطرف القولي)
أو مصيدة الإدانة ب(العنف العملي)، فيتحول (الحق الإسلامي) في أية قضية دولية أو أزمة عالمية إلى وسيلة ابتزاز سياسي رخيصة أو أنموذج تشويه إعلامي خبيث للإسلام من واقع تصرفات أتباعه السلبية ضمن سياق رد الفعل على هذه القضية أو تلك الأزمة، لهذا نادى كثير من المفكرين والعلماء والكتاب في الدول المسلمة (حكومات وشعوب) على امتداد العالم الإسلامي، إلى توخي الحذر في ردود الأفعال على (تكرار) الإساءة الدانمركية في جريمة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لا يكون بين طيات تلك الردود أفعال سالبة، ومواقف متهورة تحرف بوصلة الإدانة والضغط الشعبي ضد الجهة الدانمركية إلى الجهة الإسلامية، فيصبح الجاني مجنيا عليه، وقس على ذلك بقية قضايانا الإسلامية المعاصرة مع دول الغرب.
المناداة الواعية التي طالعناها في كثير من وسائل الإعلام، ومن أكثر من عالم ومفكر مسلم له مكانته المعتبرة في أوساط الأمة وتأثيره الفكري بين جماهيرها، جاءت تصحيحا لبعض التجاوزات (غير الراشدة) كأعمال الشغب والحرق والتهجم على بعض دور العبادة وغيرها، التي كانت في سياق ردود الأفعال الإسلامية حال نشر الرسوم المسيئة أول مرة عام 2005م، مع أن هناك وسائل (سلمية) للتعبير عن رفض الجريمة وإدانتها كانت فاعلة جدا كالمقاطعة الاقتصادية الشعبية والبيانات الإعلامية والحوارات الفكرية والمعاملات السياسية إلى غير ذلك. اليوم نحن في أمس الحاجة إلى (ترشيد العمل الإسلامي) بشكل أكثر وعيا لمواجهة الهجمة الغربية على المقدسات الإسلامية، سواء إزاء الدانمرك على خلفية تكرار جريمة الرسوم المسيئة على نطاق 17 صحيفة أعادت نشرها، ما يعني أن المسألة ليست صحيفة واحدة متطرفة كما في المرة الأولى، إنما توافق على إهانة المسلمين في أجل مقدساتهم، أو ضد البرلماني الهولندي اليميني المتطرف جريت فليدرز منتج فيلم (الفتنة) المسيء للقرآن الكريم، خاصة أن قطاعا كبيرا من الشعب الهولندي بينهم وزراء سابقون ومثقفون وحقوقيون، قد شاركوا الجالية المسلمة في مظاهرة كبيرة تندد بالفيلم وتطالب بوقف عرضه، مع مراعاة أن العمل الرشيد المطلوب لا يعني (مداهنة الآخر) على حساب ديننا أو الرضا ب(أنصاف الحلول) كالاعتذارات، التي لا تتجاوز (الأسف) وتعلق المشكلة على سوء فهم المسلمين لحرية التعبير، أو (السكوت الذليل) على هذا التعدي الجائر على مقدساتنا حتى تمر العاصفة، قطعا ليس كل هذا، إنما العمل الرشيد هو كل عمل سياسي أو اقتصادي أو إعلامي أو ثقافي مؤثر، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع أو الدولة أو الأمة ككل، بحيث لا يكون هناك أدنى (ثغرة) ينفث منها أرباب الأعمال المتطرفة والمواقف المتشنجة فيتولوا قيادة المسيرة الإسلامية في معالجة القضية أو حل الأزمة بلغة الدم المرفوضة في أخلاقيات إسلامنا. لهذا وضعت يدي على قلبي عندما تردد في وسائل الإعلام أن أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، قد خرج على الأمة ببيان شديد عبر بث صوتي في الإنترنت، يهدد فيه دولة الدانمرك والدول الأوروبية بسبب إعادة نشر الرسوم المسيئة مرة أخرى ويتوعدها برد قاس، وهو هنا يعيد فتح ملف الإرهاب الدولي من جديد، كما يدفع كل إعلام العالم، الذي يسيطر عليه الرجل الغربي إلى استرجاع كل الكوارث الإرهابية والأعمال الدموية التي كتبت بدماء الأبرياء وكان للقاعدة نصيب الأسد في وقوعها، فتمتزج بملف (جريمة الرسوم المسيئة)، حتى نستيقظ على كارثة عالمية جديدة تصرف كل عقلاء الشعوب والمتعاطفين مع الموقف الإسلامي عن (أصل القضية) وهي جريمة الرسوم إلى تبعاتها الإرهابية.
إن ردود أفعالنا يجب أن تكون (متعقلة)، فلا تنزع نحو التطرف ولا تأسرها العاطفة، لأن الأمة في موقف الدفاع عن مقدساتها وليس الهجوم على الآخرين، ولا يكون ذلك إلا بأن تتحمل النظم السياسية والمؤسسات الدينية، والهيئات الاقتصادية، والجهات الإعلامية، والمنظمات الثقافية، وجمعيات حقوق الإنسان، مسؤوليتها الكاملة فيما يخصها في قضية العصر، بحيث لا يكون المجال مفتوحا للحركات المتطرفة، التي تمارس الأعمال الدموية، المؤدية إلى خلط الأوراق فتضيع القضية في وسط أتونها. ادعوا الله معي أن يستمر الخط الراشد في الأمة في الرد البالغ على هذه الجريمة في حق نبينا عليه الصلاة والسلام، قبل أن تقع الكارثة بقدوم القاعدة.
Kanaan999@hotmail.com