الغالية فوزية :
أبلغ من العمر ثمان وعشرين سنة وأعمل في أحد البنوك في مدينة الرياض منذ سنوات ولا أخفي عليك فحلم تكوين أسرة يظل الأكثر وهجاً في مخيلتي مثل كل البشر.. وقد تقدم لخطبتي أحد الزملاء في العمل ممن لا تتوافر فيهم تلك التوقعات العظيمة لبعض الأسر السعودية (اسم العائلة أو الغني أو الصيت) لكنه يعمل باجتهاد
وهو يتسلق درجات السلم البنكي بسرعة تفوق أقرانه.. المشكلة أن والدي يقف حجر عثرة في طريق زواجنا باعتبار هذا الشاب لا يمثل الصورة التقليدية المحافظة تماماً كما يريدها الوالد الذي تميز منذ شبابه بانخراطه ونشاطه الكبير في الجماعات الصحوية والدينية وهكذا ورغم التزام الشاب كما من هم في سنه والتزامي الواضح إلا أن والدي يبحث عن الصورة النموذجية لشاب مغرق في التدين حتى يرضى بزواجي.. وها نحن نقف على بوابات الانتظار منذ أكثر من عام ونصف دون حلول واضحة لمشكلة عضل الولي!
الأخت فوزية: أنت تكتبين ورسالتك هي توصيل مشكلاتنا والحديث عنها بصوت عال وأنا أنقل لك صوت عائلة لا تستطيع أن تصل لك لضعف الأم وأميتها والتي رزقت بجيش من البنات أكبرهن اليوم في الثانية والثلاثين دون أن يوافق الأب على تزويج أي منهن... وهو لا يرفض الأمر بشكل مباشر وكل ما يفعله هو المماطلة... وحين يقصده قريب أو صديق للنصح والمشاورة فهو لا يعلن رفضه تزويج البنات لكنه يقول كلمته المعهودة... إن شاء الله.. في القريب... ويأتي صيف ويعقبه آخر ويتسرب الخطاب دون وعود واضحة منه لإنهاء عضل بناته اللاتي لا يملكن من أمرهن سوى التسليم لسلطة ولي ظالم فما العمل...؟؟؟
وهكذا... قضايا وقضايا يومية لا حصر لها وقد لا نسمع ولا يصل لنا الكثير منها سواء ما تعلق الأمر منها بالأب أو الزوج أو أحد للأقرباء ممن تحق لهم الولاية على المرأة لكنهم يسيئون استخدام هذا الحق بدرجة تضع قضية ولاية الرجل على المرأة تحت المجهر بل إن تقرير دار الحماية الاجتماعية الذي نشرته الصحف قبل فترة وهي الدار التي أقامتها الدولة منذ عام 1425هـ لمتابعة حالات العنف ضد المرأة والطفل قد أوضح أن 87% من العنف الواقع على المرأة وقع من قبل الزوج أو الأب! وهما الوليان الأساسيان في حياة المرأة السعودية! فما الحكاية؟؟؟
إلى جانب ذلك أشارت الجوهرة العنقري الناشطة في اللجان الاجتماعية بجدة لحماية المرأة والطفل في قضايا العنف والعضو المؤسس للجنة الوطنية لحقوق الإنسان أن اللجنة وخلال السنوات الماضية نظرت أكثر من 12 ألف قضية عنف أو تعسف أو إهمال ضد المرأة ووقعت ممن يقعون في نطاق الولاية على المرأة وهو ما يؤكد ضرورة وضع مفاهيم الولاية وتطبيقاتها تحت الضبط القانوني بحيث تحقق مقاصدها الشرعية وتحمي المرأة والطفل من الاستغلال.
هذا كله لا يعني أن كل ولي يسيء الاستخدام لكن القوانين لكافة شؤون الحياة لا توضع لأن الناس كافة قابلة لإساءة استخدام الحق لكنها توضع لردع المخالفين ووضع ضوابط واضحة تحدد حقوق واجبات كل الأطراف ذات العلاقة.
وكما في الكثير من القضايا ذات العلاقة بالمرأة تأتي التفسيرات المتعددة لقضية ما لتلقي ظلالاً من عدم الوضوح عند الاستخدام ففي حين يري الدكتور البريك على سبيل المثال أن (الرجل قيم على المرأة لأن الرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة لذا فهو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت) يرى الشيخ سلمان العودة أن (قوامة الرجل على المرأة كما يظهر من كلام أئمة التفسير والفقه إنما هي قوامة تدبير وحفظ وليس المعنى كما يخطئ في فهمه كثير من الناس: قوامة القهر والتسلط والتعنت وذوبان هوية المرأة)
في هذا الخصوص ترى الناشطة في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة سهيلة زين العابدين ضرورة التفريق بين الولاية والقوامة فالولاية هي تدبير الكبير الراشد لشؤون القاصر الشخصية والمالية في حين أن المرأة متى بلغت سن الرشد فهي موكولة بتدبير شؤونها المالية والشخصية حيث يمنحها الشرع حق التصرف في مالها.
إن التغيرات التي طالت وضع المرأة خلال السنوات الخمسين الماضية وانتشار مفاهيم الحريات الإنسانية بدرجة غيرت من مفهوم الرؤية الإنسانية للبشر كافة بما فيهم المرأة تجعل من الضروري تبني تفسيرات أكثر واقعية في التعامل مع امرأة اليوم... ويجب أن نتذكر أن أمواج التغيير قادمة ومن الحكمة أن نحتضنها ونتكيف معها بدرجة متوازنة بدل أن تعصفنا وترغمنا على تقبل ما تطرح دون أن يتم استيعابه ضمن مفردات الثقافة المحلية.
إن مفهوم الولاية بشكله الحالي يؤثر في قدرة المرأة على اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بتعليمها وعملها وحركتها العامة وقدرتها على التصرف في شؤونها المالية والشخصية ويغلب مفهوم القوامة بشكله السلبي بما يؤثر على رؤية المرأة المسلمة لنفسها ورؤية الآخرين لها كشخص متكامل يحمل الأهلية القانونية ويتمتع بذات القيمة الإنسانية التي منحها الإسلام لكل العباد بغض النظر عن أجناسهم وألوانهم وخلفياتهم العرقية والاجتماعية.
وفي حين ندرك أن الحياة لا تسير إلا بتعاون وتكافل الرجل والمرأة وأن من الطبيعي لبقاء وتسيير الحياة الزوجية والعائلية أن يكونا في تفاهم وتوافق على الطريقة التي تسير بهما حياتهما مما يعني رجوع وتشاور كلا الطرفين في أي قرارات مصيرية أو جانبية ذات علاقة بتسيير حياتهما المشتركة وهو ما يحدث في الغالب الأعم إلا أن ذلك يجب أن لا يعني في الرؤية القانونية خضوع المرأة لتعسف الولي مهما كان مستواه التعليمي أو حالته النفسية أو العقلية.
إن ما يحدث اليوم من أشكال التعسف والغبن الذي تتعرض له بعض النساء وخصوصاً في الطبقات الأقل حظاً وتعليماً ليجعلنا نطالب بضرورة تبني مفاهيم أكثر واقعية في تفسير علاقة المرأة المسلمة بالولي بما يمنحها الحماية القانونية عند التعسف في الاستخدام ولا يتركها لأهواء أو تفسيرات متشددة قد تغبط المرأة حقها الشخصي أو المالي كما أنها بلا شك تؤثر مباشرة في الأطفال فما يقع على المرأة يقع بالضرورة على كاهل العائلة ككل وأول الضحايا هم بلا شك الأطفال.
الجيل القادم من الفتيات والشابات سيكن أكثر صعوبة في التعامل مع هذا المفهوم بتطبيقاته الحالية ومن الأجدر بنا أن نتشاور للوصول إلى صيغة أكثر واقعية في التعامل مع مفهوم الولاية تحفظ للشرع حكمته في تقرير ذلك وتمنح المرأة في ذات الوقت متسعاً من الحرية وكثيراً من القوانين الضابطة لحقوقها التي أقرتها الشريعة.