عندما يعمل الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خدمة الدين الإسلامي لا يعمل بوصفه قائداً لدولة تضم في داخل حدودها الحرمين الشريفين فقط وإنما يتصرف كقائد إسلامي ينتصر للإسلام والإنسان بضميره الإنساني ومبادئه الإسلامية. لا يعمل بدافع الواجب وإنما بقوة الإيمان. في كل خطاباته وكلماته وتوجيهاته يقرن الملك عبدالله بين الإسلام وبين الإنسان. ففي عهده الميمون عرف الشعب والعالم أن المملكة العربية السعودية بقدر ما هي دولة إسلامية هي أيضاً مملكة الإنسانية. فالإسلام في نظر عبدالله بن عبدالعزيز ليس هو ذلك الدين الانعزالي المنكفئ الذي يستريب من الفكر الآخر ويتربص به بل هو الدين المنفتح الذي أنزله الله لكل البشر ليكون مظلة إنسانية يستظل بها حتى غير المسلمين إلى حين يكتشفون بأنفسهم أهمية هذا الدين وبعده الحضاري. لا يمكن أن ينتشر الإسلام ويتوسع بالقوة أو بالعزلة الذي يقرأ تاريخ الإسلام في فتوحاته الأولى بعيداً عن أرجاف بعض المستشرقين سيرى أن الإسلام امتد في غضون سنوات قليلة جداً من داخل جزيرة العرب إلى بلاد الأندلس. في فترة لا تكفي أي جيش مهما كانت قوته إذا أخذها حرباً وفتحاً بالقوة. لابد أن عدالة الإسلام وجمال مبدأه كانت تسبق الفاتحين إلى الأراضي المفتوحة حتى استكمل مسيرته الخيرة التي غيرت وجه التاريخ.

عبر الملك عبدالله في خطابه الأخير أمام المشاركين في حوار الحضارات عن وجه الإسلام المشرق ومبادئه الشاملة. فالدعوة إلى الحوار في نظر الملك هي الخطوة الأولى لإعادة سيرة الأجداد الفاتحين. يضع الإسلام أمام الآخر والسماح للآخر أن يقرأ هذا الدين من خلال تعامل أهله. الملك عبدالله كأي مسلم يثق في تمام دينه فلا يقارن مبادئه بمبادئ الأديان الأخرى. فإذا كانت الأديان جميعها تنزع نحو العدل والحب والسلام إلا أنها لا تصل إلى الشمولية التي يتمتع بها الإسلام. فالاتفاق مع الأديان الأخرى في الخطوط العريضة للحياة الكريمة هو فرصة المسلمين لإثبات أن الإسلام أوسع وأشمل وأكمل. عندما يتحدث الملك عبدالله عن قيمة (الأسرة) المشتركة على سبيل المثال هو في الواقع يتيح لأصحاب الديانات الأخرى الإطلاع على قيمة الأسرة ومنزلتها في الإسلام. ولا بأس ولا خوف أن يطلع المسلمون أيضاً على القيم التي تنظم حياة الأسرة في الأديان الأخرى بعيداً عن المواقف المسبقة التي فرضها أعداء الإسلام من خارج الإسلام أو داخله. فالملك يغتنم الفرصة تلو الفرصة ليضع الإسلام في مكانه الصحيح الذي يستحقها في أذهان كثير من أصحاب الأديان الأخرى خصوصاً أننا في هذا الزمن نحتاج إلى عمل معقد وشاق لتنقية سمعة الإسلام مما علق بها من تصرفات أشقياء المسلمين. والأهم أن الملك حفظه الله لا يريد فقط أن يقدم الإسلام بصورته الناصعة وإنما يريد أن يضعه في مكان القيادة الفكرية للعالم. فالذي لا يؤمن بالإسلام بشكل مباشر سوف ينتهي إلى الإيمان بمبادئه.