تتولى الأمة المسلمة مسؤولية المحافظة على عقيدتها وشريعتها بنفسها. وتلك مسؤوليتها التي كلفها بها عز وجل في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}، فجعل سبحانه قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص صفاتها التي ميزها عن بقية الأمم ولا شك أن هذا التكريم لها من ربها عز وجل بهذه الشعيرة له دلالته ومكانته. فإن النفوس البشرية ليست كلها على درجة واحدة من حب الخير وكراهية الشر، بل النفس الواحدة قد يعتريها حالات متفاوتة. تكون في بعضها في أعلى درجة الخير وتكون في بعضها في أدنى درجة الشر. ولذلك فلا بد من تشريعات عاجلة تحمي هذه النفس من تلك التذبذبات.
وقد شرعت حدود وأحكام عاجلة لحماية هذه النفس من ذاتها هي قبل أن تحميها من غيرها فشرعت الحدود لذلك الغرض. ثم شرعت الرقابة الاجتماعية التي تتولاها الأمة بكاملها. فكل فرد في الأمة يحمل من تلك المسؤولية ويستشعر دوره فيها فلا يكاد الشر يظهر في مكان إلا ويجد من أفراد المجتمع من يواجهه ويحاول منعه من الظهور وهذا معنى أن الأمة بكاملها (تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر) فكل فرد من أفرادها يمثل عيناً لها في المكان الذي يسكن فيه ومكان عمله الذي يعمل به. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) و(من) هنا للعموم أي كل من رأى منكراً وجب عليه تغييره في حدود الإمكانات التي رتبها الحديث فمن كان له سلطة اجتماعية وجب أن يباشر التغيير باليد ومن كان من مكانة علمية وجب أن يغير باللسان ومن لم يكن من أحدهما كره ذلك المنكر وود لو غيره.
ثم إن هذه المسؤولية العامة قد لا تكفي في القيام بهذه المسؤولية العظيمة فخصص سبحانه بها طائفة من الأمة تعنى بهذه المسؤولية فتخصص فيها قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}أي يجب أن تكون هناك فئة لها مزيد من العناية بهذه المسؤولية العظيمة وقد أنشئت ولله الحمد في هذه البلاد المباركة هذه الفئة فعنيت بها عناية كبيرة وخصصت لها إدارة ذات فروع في كل منطقة من هذه البلاد فكان لها أعظم الأثر في حماية المجتمع من الرذيلة والفساد الأخلاقي فصان الله عزَّ وجلَّ بها الأعراض وحمى بها الأخلاق.
المطلع على الجهود التي تقوم بها وحجم الفساد الذي منعت ظهوره يدرك الدور الكبير الذي تؤديه هذه الطائفة في استقرار المجتمع فكم من عرض ستروه وكم من عرض حموه فشكر الله لولاة أمرنا الذين أنشؤوا هذا الجهاز الرقابي ودعموه لحفظ المجتمع في أخلاقه وحماية أعراضه وستر أسراره وجعل ذلك في ميزان حسناتهم.
وإن دعم هذا الجهاز بالمال والرجال سيكون له أعظم الأثر في حياة المجتمع.
أستاذ الدراسات العليا بقسم العقيدة بجامعة أم القرى